من عادتي حين أدخل للمكتبة لأشتري بعض الكتب أجلس وقتاً طويلاً في المكتبة دون وعي مني، أقضيه في تأمل أسماء الكتب، وأسماء المؤلفين، وأمر على الأرفف المنظمة، لكل كاتب رف أو أكثر يحمل مؤلفاته، هناك من له جزء صغيرٌ من رف يحمل جميع مؤلفاته كما هو الرف الخاص بالكاتبة "أحلام مستغانمي" التي قالت عن نفسها أن عيبها أنها "كاتبة كسول"، وهناك من له رفٌ عظيم متكدس بالكتب والروايات كما هو الحال برف د/ "أيمن العتوم" والذي ومن العجيب" أنه وصف نفسه بأنه كسول!، وهناك كتَّاب لهم عدة أرفف لمؤلفاتهم مثل "نجيب محفوظ" و "مصطفى محمود".
أتسائل دوماً، ماذا يعني غزارة الإنتاج للكاتب؟ هل هو يعبر عن شغفه مثلاً نحو الكتابة؟ أم يعبر عن حبه للشهرة واتساع رقعة محبينه؟ أم حبه للمال؟ أم حبه للتفاخر بعدد مؤلفاته؟ وهل عدد المؤلفات القليل دليل على عكس ذلك؟
يقول ماركيز في مقالة له بعنوان "كيف تكتب رواية" :
"جاء إلى بيتي في مدينة مكسيكو شاب في الثالثة والعشرين من العمر، كان قد نشر روايته الأولى قبل ستة شهور، وكان يشعر بالنصر في تلك الليلة لأنه سلّم مخطوط روايته الثانية إلى ناشر.. أبديت له حيرتي لتسرعه وهو لايزال في بداية الطريق ..رد بإستهتار: "أنت عليك أن تفكر كثيرا قبل أن تكتب لأن العالم ينتظر ماتكتبه، أما أنا أستطيع أن أكتب بسرعة لأن قلة من الناس يقرءونني"
عندئذ فهمت! ذلك الشاب قرر أن يكون كاتباً رديئا، إلى أن حصل على وظيفة جيدة في مؤسسة لبيع السيارات المستعملة، ولم يعد بعدها إلى إضاعة وقته في الكتابة."
أعرف كتاباً لهم أكثر من ١٠ روايات منشورة..معظمها إن لم يكن كلها ركيكة!، حتى أن كاتباً طلب رأيي مؤخراً في روايته التي ينوي أن ينزل بها معرض الكتاب هذا العام، قرأت الرواية وقلتها له بصراحة "الرواية تحتاج للمزيد من العمل ولا تصلح للنشر" ولم يكن ذلك هو الموقف الوحيد الذي أنصح به أحدهم ألا ينزل بروايته معرض الكتاب، فتهافت الكتاب على لقب كاتب، جعل منهم أنصاف كتاب ليختلسوا اللقب فقط، فنشروا أعمال أقل ما يقال عنها أنها عادية، فقط ليرى المؤلف اسمه في المعرض ويصير الكاتب "فلان"، دون أن يعي أنه بمجرد نشره للرواية لم تعد بيده، بل أصبحت ملكاً للقارئ الذي سيقول عنها رأيه بكل صراحة..والكاتب المتسرع هو المتضرر الوحيد. فإذا كان الكاتب متسرع فالقارئ متريِّث.
وكما قال الكاتب عمر حسن في مراجعته لإحدى الروايات "الضائعة" موجهاً كلامه للكاتبة:
"إذا كان الكاتب مجنون فالقارئ عاقل"
وكما أن هناك نوع من الكتاب ينشر رواية كل عام "وما أكثرهم" هناك نوع آخر يُعجبني، وهو كاتب لا يربط نفسه بمواعيد نشر بل يأخذ وقته في الرواية، وحين ينهي مسودة الرواية يأخذ وقته في المراجعة والتنقيح..ثم يأتي دور النشر في نهاية المطاف..هذا مثل الكاتب "محمد الجيزاوي" فبغض النظر عن محتوى رواياته تعجبني الطريقة التي يؤلف بها فروايته الأخيرة مثلاً "الدم والحليب" أخذت منه أربع سنوات قبل أن يفكر في نشرها.
وبالطبع طول الوقت الذي يأخذه الكاتب في التأليف ليس دليل قاطع على الإبداع..ولكن التعجل من وجهة نظري دليل قاطع على عدم الإحترافية.
وسؤالي لك عزيزي القارئ، إلى أي مدى يعتبر "الوقت الكافي" عاملاً مهماً لإنتاج رواية أو كتاب عظيم، ولماذا يتهافت بعض الكتاب على النشر وعلى أن يكون لهم أكبر عدد من المؤلفات رغم أن جودة كتاباتهم "في الضَّياع" ؟
التعليقات