ذات مرّة، سدّد عميد الأدب العربي طه حسين نصيحةً هي الأغلى بالنسبة لـنجيب محفوظ، فخلال بدايات الأخير في الكتابة الأدبية، وبعد اطلاع طه حسين على روايته الأولى "رادوبيس" –رواية تاريخية تتحدث عن مصر القديمة- تبنّى طه حسين إعجابًا شديدًا بـنجيب محفوظ، لكن نصحه بجملة واحدة مباشرة:

اكتب عمّا تعرف.

واقع الحرافيش في خيالات نجيب محفوظ:

بعد هذه النصيحة الثمينة، يبدو أن نجيب محفوظ، الأديب العربي الحاصل على جائزة نوبل على مجمل أعماله الأدبية، قد التزم بالنصيحة إلى درجة لم يتوقّعها أيٌّ من القرّاء.

كرّس نجيب محفوظ قطاع كبير من مشواره الأدبي لواقعه الشعبي، والذي على الرغم من صعوبة رصده في عالم الحرافيش والفتوّات وخلافه، فقد التزم نجيب بالبحث والاندماج بهذا الواقع، فكيف كان انعكاس ذلك على مشواره الأدبي؟

نرى في رواية "الحرافيش" مثالًا على ذلك كأحد أشهر روايات نجيب محفوظ على الإطلاق، حيث تتحدث عن فترة ما بعد الطاعون، والتركيب التشريحي للمجتمع المصري الشعبي وقتها، وكيفية تعامل الناس مع مفاهيم مجرّدة مثل القوّة والحب والخيانة والكراهية.. إلخ.

ومن خلال الرواية، جسّد نجيب محفوظ المجتمع الشعبي بكفاءة غير مسبوقة، حيث وجدت العديد من أشكال التحوّل والتطور الثقافي، فاستطاع نقل الواقع بروحه المعاصرة الحقيقية التي تعبّر فعلًا عن المضمون.

لكن من جهة أخرى، لم يتخلّ الكاتب عن خياله في رأيي، فقد استطاع الجمع في هذه الحالة بين قدرته على رصد سمات الواقع، وفي الوقت نفسه استطاع أن يضع هذا الواقع قالبًا لخياله وقصصه وأفكاره الخاصة.

أرى دائمًا أن الأمر يحتاج أولًا إلى الشجاعة التي يستطيع بها الكاتب أن يتخطّى انتقادات القرّاء، ولا يتبع أهواء النقّاد في رصد الأدب من مفهوم كلاسيكي أو ثابت، لكن ذلك يحتاج إلى الفكرة التي تناسب القصة، والتي أرى أنها محاولة خيالية لوصف الواقع إن صح التعبير.

في رأيكم، هل تتفقون معي في أفضلية تناول واقع الكاتب الشخصي في الكتابة؟ أم أن الرواية التاريخية لها أهميتها أيضًا؟