أنا من الاشخاص الذين يفضلون القراءة للكاتبة حنان لاشين، ويبدو أن رواية "غزل البنات" لفتت نظري بالمحتوى والافكار والشخصيات التي بها. عمومًا الكاتبة لاشين تقدم في روايتها لدعاء "بطلة الرواية" طبيب يدعى "طارق" على ما أذكر، أعجب بأخلاقها وجمالها، فذهب لخطبتها مع نفر من أهله "فجأة" ظناً منه أنها ستطير فرحاً فور معرفتها وستوافق فوراً فإنه الطبيب المشهور والناجح في عمله والذي تتمناه أي فتاة "من وجهة نظره"، ولكن دعاء لم توافق عليه كزوج، ورأت أنه ينقصه الكثير من مقومات الزوج الصالح في نظرها آنذاك، فأفضت إليه بكلام رقيق دون أن تجرحه تبياناً منها له بأنها لا تفكر في الإرتباط حالياً، فما كان من الطبيب المتحمس إلا أنه حدثها بتكبر وعلو مبيناً لها بلهجة ساخطة أنها قد خسرت الكثير لعدم موافقتها عليه كزوج!..وكان لدعاء قريب فأخبرها أن ذلك الطبيب كان زميلاً له في الدراسة وهو دائم التفوق وليس معتاداً على أن يرفضه أحد.
قرأت الرواية منذ أعوام ولم أهتم كثيراً بتلك الدلالة الظاهرة، كنت مؤمن بها بعض الشئ ولكن بعض الأحداث الحالية أكدت لي ذلك الإقتناع
لطالما لاحظت على مدار سنوات دراستي شيئاً في معظم زملائي المتفوقين دراسياً، أولئك سريعي الإستيعاب للمواد الدراسية جيدي التحصيل الذين يأتون دائما بالنتائج النهائية.
وهو أنهم يكتسبون درجة من الثقة في أنفسهم تزداد بمرور الفصول الدراسية التي تمر معلنة تفوقهم في آخرها وحصدهم للترتيب المثالي على مستوى المدرسة وحصولهم على الجوائز المصاحبة لتكريم صاخب وتصفيق حار من المدرسين والطلاب، ومصدر تلك الثقة هو ما يلاقونه من نظرات إكبار وتقدير من المدرسين والطلاب، حيث أن أذنهم تعتاد المديح من الجميع مما يبث قناعة في داخلهم أنهم "متفوقون وغبي من يظن غير هذا" !
إلى الآن كل شئ على ما يرام، ولكن لنطرح سؤالاً: ما تأثير هذه القناعة التي تكرست في نفوس هؤلاء الطلبة في تعامل مع المجتمع الخارجي؟
وفقاً لما عايشته وعرفته، فمعظم الطلاب المتفوقين دراسياً بهم قدر من الإعتداد بنفس مبالغ فيه بعض الشئ، يصل بهم أحياناً إلى النرجسية، بحيث يرى نفسه فوق في الأعلى وبالأسفل يرى الناس على هيئة حشرات "وهذه ليست مبالغة" فالبعض يصل به الإعتداد بنفسه إلى التحقير من الآخرين. وحكمي هذا مستند إلى مشاهدات رأيتها في لحظات غضب لبعض المتفوقين دراسياً وهم يرفعون من شأن أنفسهم ويحقرون من غيرهم بمنتهى العنصرية، وإن كان بعضهم ينتبه لما يقول ويعي أن ذلك سيشينه فإنه يكتفي بالتلميح بأن ذلك الشخص الذي ينافسه في شئ ما أو يخاصمه ما إنما هو "لا شئ" مقارنة به.
يزيد من فداحة الأمر طريقة المعاملة في الفصل الدراسي، عدم عدل بعض الأساتذة في معاملتهم، حيث يتجاوزون عن عقاب الطالب المتفوق إن أخطأ، مما يضع في فكره أنه فوق العقاب. وينعكس ذلك على علاقته وتفاعله مع الناس خارج المدرسة.
عند متابعتي لأخبار تلك الجريمة التي حدثت في مصر وبالتحديد في مدينة المنصورة واهتز لها الرأي العام، حين قتل أحد الطلاب زميلته أمام الجامعة بطريقة مروعة وقاسية، ومع انكشاف ملابسات تلك الجريمة تبين أن هذا الطالب هو "الأول على دفعته في الكلية" وأنه حاول التقرب بشتى الطرق لتلك الفتاة، فلما "حظرته" تربص بها وقتلها شر قتلة.
فإصطدام الطالب المتفوق بالرفض في المجتمع بأي طريقة كانت تشعره بأنه مظلوم وأنه انتقص من حقه، مع أنه من حق اي شخص أن يبتعد عنه او لا يجعله في حياته..ولكن كيف! إنه مؤمن بما لا يدع أي مجال للشك بأنه عظيم!
لمجرد تفوقه في مجال واحد مجالات الحياة ظن أنه فوق الجميع غافلاً عن حقيقة أنه قد يكون فاشلاً في عشرات النواحي الحياتية الأخرى!
ولدي سؤال، ما مدى تأثير التقدير المبالغ فيه للطلاب المتفوقين داخل المدرسة عند اصطدامهم بالرفض "أحياناً" في المجتمع ؟ وهل هذا التقدير قد يجعل من الطالب شخصاً نرجسياً فيما بعد؟
التعليقات