القليل منا ممن يهتم بالأدب لا يعرف مسرحية شكسبير المشهورة "عطيل"، وما تطرحه من أمور كالعنصرية والغيرة والقتل على خلفية ما يدعى "الشرف" (Honor Killing)، المسرحية التي ما زالت تبهرنا بكشفها عن ما نجهله عن أنفسنا أو ما نتجاهله فينا، وما تناقشه من صراع أزلي بين الخير والشر، بداية من ديدمونة الزوجة الصالحة إلى زوجها الجنرال المغربي الذي أعماه غروره فلم يعرف قيمتها، نهاية بإياغو حامل علم عطيل الذي دفعه حقده له إلى تدميره. 

كثيراً ما أقف عند الشخصيتين المحوريتين: عطيل وإياغو، وأجدهما التجسيد الأمثل لمصطلحات سيجموند فرويد، فعطيل (The protagonist) يجسد جانب الخير فينا فهو مثال الأخلاق، يعمل جاهداً على تجاهل غرائزه، ويسعى لإظهار أفضل ما لديه، قائد يختال في نفسه، عطيل هنا يذكرني بالأنا العليا (Super-ego). بينما شخصية إياغو (The antagonist) يظهر أسوء رغباتنا من حب السيطرة والإستمتاع بأذية الغير، وبما أن إياغو هو نقيض عطيل فهو مكمن الهو (ID)، باعتباره الجانب الشيطاني الذي يعبر عن طبيعتنا الغرائزية التي تسعى للاستحواذ والهيمنة...

لا أعلم لما ولكن أشعر أن الشخصيات الشريرة تكون مثيرة للإهتمام أكثر من الشخصيات الخيّرة وكأن الكاتب يحكم الشباك حولنا ليوقعنا في حبها... أعتقد أن ما يفعله صناع السينما أيضاً وخصوصاً شخصيات مارفل الشريرة المفضلة لدي أكثر من الأبطال أحياناً، إذ أنها تستمتع بدمار العالم من حولها، تتحكم بالآخرين كدمى الماريونت والمشترك بينها غالباً هو الذكاء المبهر وامتلاك القدرة المطلقة... فعطيل بذاته تحول في نهاية الأمر إلى إياغو عندما قتل ديدمونة.. بينما على أرض الواقع مشاعرنا تتغير تجاه الشر ونتصدى لكل أشكاله... فأي فرد بإمكانه أن يصبح مثل إياغو بمجرد أن يتنمر على الغير ويستغل نقاط ضعفهم، بمجرد أن يملك السلطة على أحدهم كأب مستبد وكحارس سجن يرى أن المساجين ملك له يفعل ما يريد بهم.. هؤلاء جميعنا نبغضهم... الموقف قد يكون نفسه في الخيال العلمي وفي الواقع ولكن...

هل مشاعرنا التي تتغير لمجرد معرفتنا بأن تلك الشخصيات وهمية؟ 

أم أننا نخدع أنفسنا ونناقضها؟