"الوحشية سلوك يختصّ به الإنسان وحده"، من يومين فقط كنّا أمام مقطع فيديو لبنت تُريد أن تغوص وقبل أن تغوص بلحظة ظهرت لها سمكة قرش مُفترسة، فتحت فمها وعادت، تلكّئت البنت لحظتين ربما قبل أن تُعاود الغطس مرّةً أخرى وصرّحت: أسماك القرش طبعاً أسماك مفترسة، لكنّها ليست متوحّشة!.
كيف يكونُ هذا الانسجام بما تقول البنت؟ هل فعلاً أن تكون مفترساً لا يعني بالضرورة أن تكون وحشاً؟ ربما نعم ولذات السبب الذي حكى عنهُ ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان" الذي حاول فيه أن يبسط فيه العلاقة ويشرح سلوك الإنسان العاديّ والإنسان المتسلط، صار يشرح العلاقة بينهما على أساس واحد، على أساس علاقة واحدة لا غير ومن منظور واحد، ألا وهي علاقة: الضحية بالجلاد!
فيبدأ كتابه بفصل يُعتبر أحلى فصول الكتاب باعتقادي: "هل نحن جلادون؟" أو بإشارة أخرى قريبة من منطق لغتي في هذه المساهمة: هل نحن وحوش؟ - يبدأ حديثه بالإشارة إلى كتاب "التعذيب عبر العصور" الذي يحذر من استمتاعنا برؤية مشاهد العنف والقسوة في السينما والتلفزيون والأدب وبالطبيعة بما أنّهُ يحذّرنا من مشاهدة العنف فهذا بديهي بأنّهُ يحذّرنا أصلاً من العنف، من أرتكاب العنف تحت أي ظرف كان، خاصّة وأنّهُ يعتبر أي إنسان يرتكب جريمة أو تعنيف بحقّ الأخر هو مذنب مهما كانت الأسباب والضغوطات، فهو الكاتب الذي لم يبرر نهائياً ورطة الإنسان الأعزل (هو يسمّي الموقف هكذا) وفي هذا الموقف يحدثنا عن الإنسان الذي يخلي نفسه من المسؤولية أثناء ممارسته العنف على الآخر باعتماده على تجيير المسؤولية نحو (السلطة التي تعطي الأوامر) مسقطاً دراسته على مجازر حدثت في التاريخ معتمدة على ذات السبب.
ولكن هل التزم ممدوح عدوان فعلاً بما قال؟
في مجموعته القصصية الذاتية، التي يروي فيها أحداث عاشها "جنون آخر" سجّل قصّة صارت معه في رحلة صيد عصافير، حيث أنّهُ ما أن استلم "الجفت" سلاح الصيد، إلى أن أطلق النار على العصفور الأوّل والثاني والثالث، حيث قال لهُ صديقه بعد ذلك، يكفي هذا للعشاء، أعتقد أنّنا لن نحتاج أكثر من ثلاثة عصافير لكل واحد منّا، لكن ممدوح عدوان وبحسب وصفه لم يستطع أن يتوقّف من شدّة نشوة ذلك النهار، صار يطلق النيران بلا توقّف، حتى صارت البحيرة التي يصتادون بالقرب منها، مليئة بالعصافير الميتة!..
برأيك هل نحن كبشر كائنات شرسة متوحّشة؟ (عن نفسي أنا أراهم كذلك) ولكن ماذا عنك؟ ما هي نظرتك للإنسان؟ لنفسك؟ للإنسان الحديث منه على الأقل؟
التعليقات