يحاول الكاتب الصربي زوران جيفكوفيتش طرح ستة قصص تدور جميعها حول موضوع واحد كان عنوان كتابه الذي جعل اسمه (المكتبة)، فأبطال القصص الستة بلا أسماء، يعيشون عزلة اختيارية، لا حديث عن ماضيهم أو حاضرهم أو حتى تطلعاتهم للمستقبل، إنهم ببساطة أبطال حكاية مجهولي الهوية، قد يكونون أي شخص، وقد يكونون كلّ شخص!!.

لطالما تعمدتُ في كتابة قصصي أن أجعل بطل القصة مجهول الهوّية، ونادراً ما أختار له اسماً أو أجعل القارئ يتعرّف على ملامحه، ولذلك قد أتفّهم الأسباب التي جعلت جيفكوفيتش يفعل الأمر ذاته في قصصه الستة، إلا أنني أرغب بمعرفة آرائكم، هل تفضّلون هذه النوعية من القصص التي تترك البطل بلا ملامح؟ لماذا تظنون أنّ بعض الكتّاب يفعلون ذلك مع أبطال حكاياتهم؟

البداية مع (المكتبة الافتراضية)، والتي تكون عبارة عن رسالة تصل عبر البريد الإلكتروني لبطل القصة تدّعي بأنه لدى المكتبة الافتراضية كلّ شئ يبحث الشخص عنه، هذا الادعاء شجّع قارئ الرسالة بدخول رابط المكتبة الافتراضية لينصدم بأن مسودات كتبه التي احتفظ بها في أدراجه وخزائنه موجودة ضمن قائمة الكتب!، والأغرب حين وجد صورة له لا يذكر متى التقطها بجوارها معلومات عنه، معلومات كاملة عن ذلك الكاتب حتى تاريخ وفاته، والذي جاء بعدة تواريخ محتملة للوفاة وأسبابها!!

مهلاً!، تلك التفاصيل المذكورة بيّنت حتى الأزمان اللاحقة التي لم يعاصرها كاتبنا حتى تاريخ وفاته، وكتباً (لم يفكر حتى بتأليفها) مضافة لقائمة الكتب التي قام بطل القصة بنشرها!!

هنا، تراءى لي سؤال، ماذا لو وردت رسالة إلى بريدك الإلكتروني يقول مرسلها أنه عند فتحك للرابط الموجود بالرسالة ستجد كلّ ما يهمك، هل ستقوم بفتح الرابط أم ستفضّل حذف الرسالة؟

في القصة الثانية (المكتبة المنزلية) هنالك البطل الذي يفتح صندوق البريد ليجد مغلفاً كبيراً لم يفهم طريقة إدخاله للصندوق، وما أن يفتح المغلف حتى يجد كتاباً اسمه (أدب العالم-الجزء الأول)، لاحقاً صار يجد يومياً أجزاء أخرى من الكتاب حتى وصلت إلى ثلاثة عشر جزءاً، مغلفات بكتب كثيرة تصل للبطل الذي لم يعد منزله يتسع للكتب!!، هل تتخيل أن يتم إرسال كتب العالم الأدبية إليك؟ أظنك ستغرق بالكتب حينها، ماذا ستفعل لو حدث ذلك معك؟ هل ستهدي تلك الكتب أم ستقوم بإحراقها أم ستلقيها في أقرب سلة مهملات لديك؟

في القصة الثالثة (المكتبة الليلية) يجعل جيفكوفيتش بطل القصة من عشاق القراءة ليزور المكتبة الليلية، وعلامَ يحصل؟ على كتاب حياته!!، نعم، ذلك ما كان ينتظر البطل، ملف كبير يضمّ رزمة سميكة من الأوراق التي يمكن إضافة صفحات جديدة لها تضمّ تفاصيل حياته الصغيرة والكبيرة، حتى لم يهمل الكتاب أيّ شاردة!، أظنكم ترون الأمر مربكاً حقاً، أليس كذلك؟ فكيف ستتعامل مع الأمر لو كانت حياتك السابقة والقادمة مكتوبة بكتاب؟

في قصة (المكتبة الجحيم) يجعل جيفكوفيتش بطل القصة يعيش الجحيم، ولكن ليس الجحيم الذي نعرفه، بل جحيم المكتبات!!، التي يدخل إليها كلّ من يكره القراءة، لتكون رائحة العفونة المحفوظة بين طيّات الورق هي ما يواجههم كعقاب على هجرهم القراءة وهجرهم الثقافة التي جعلتهم يقومون بما يقومون به من أفعال خاطئة، ولو أنهم قاموا بالقراءة والتعلّم لكانوا أكثر صلاحاً وأخلاقاً، لذلك هل تظنون حقاً بأنّ القراءة تهذّب الأخلاق؟ ألا يكمن الأمر في شخصية المرء وتربيته؟

في قصة (أصغر مكتبة) يجعل جيفكوفيتش محتوى الكتاب يتبدل كلمة أغلقه!، فكلما فتح بطل القصة الكتاب سيقرأ رواية ما، حكاية ما، وما أن يغلقه ليفتحه من جديد سيجد رواية أخرى، معلومات تتبدل في كتاب يكفيه عن كتب العالم أجمع، حيث لا يحتاج لأرفف وخزائن ليضع كتبه فيها، كلّ ما يحتاجه هو كتاب يمكنه تبديل محتواه بعد كلّ إغلاق له، المؤسف حقاً أنّ البطل قام بنسخ تلك الروايات قبل أن تتبدّل متوجهاً لنشرها فيما بعد باسمه!، تخيل لو عثرت على قصة لا صاحب لها، هل يمكنك أن تفعل ذات الأمر؟ تكتب اسمك عليه كمؤلف لتلك الرواية؟

في القصة الأخيرة (المكتبة النفيسة)، يتحدث جيفكوفيتش عن بطل يحرص تماماً على نوعية الكتب التي توضع في مكتبته، ليفاجأ ذات مرة بكتاب قذر من الخارج يشوّه منظر مكتبته النفيسة، يلقي بالكتاب في الحاوية، وحين يعود لمكتبته يجد الكتاب مجدداً فيها!، وحين حاول تمزيقه عاد ووجده في مكتبته، في النهاية قرّر البطل –الذي لم يحاول حتى فتح الكتاب وقراءة محتواه- أن يأكله!!، نعم; لقد قطّع الكتاب لأجزاء وتناوله كوجبة دسمة!، ألا تظنون أننا مثل هذا البطل؟ نحكم على المضمون من المظهر فقط؟ أين الحكمة في اختيار تناول كتاب (قد يرمز لأيّ شئ في حياتنا) ونؤذي صحتنا بدل أن نتقبّل وجوده في المكان المفترض وجوده فيه؟

بعد أن تساهموا معي في أفكاركم، أنصحكم باقتناء الكتاب لأنه شيّق، ويستحق أن يكون ضمن قائمة الكتب التي نطلّع عليها.