كثيرون الذين يجدون في الروايات عالماً مزيفاً يهرب إليه الحالمون، إلا أنّ نتائج الدراسات قد بيّنت بأنّ للرواية تأثير على تكوين الشخصية، مما دفع الكثيرين من الباحثين لدراسة إمكانية استخدام الكتب والرواية تحديدًا في علاج الاضطرابات النفسية والجسدية، بحيث أصبح لكلّ مرض رواية!!.

الباحثتان (إيلا برثود وسوزان إلدركن) وعلى مدار 25عاماً قامتا بإجراء أبحاث حول العلاج بالرواية، ونشر النتائج في كتاب (العلاج بالرواية من الهجر إلى فقدان الشهية،751 كتاباً لعلاج كلّ ما تشكو منه) والذي أصبح اسمه في الطبعات اللاحقة (العلاج بالرواية: العلاج الأدبي من الألف إلى الياء) وضعت فيه الباحثتان روايات يمكنها علاج بعض الأمراض، فمثلاً رواية البؤساء لفيكتور هوجو علاج للأنفلونزا، وآنا كارنينا لتولستوي لآلام الأسنان، أما الصرخة الآتية من بعيد لريتشارد شريدان فعلاج للبدانة، واللاطمأنينة لفيرناندو بيسوا تعالج الأرق، واصرخ يا بلدي الحبيب لستيورات باتون لحالات الغضب، وبقايا النهار لإيشغيرو تساعد مَن يمارسون التسويف وتأخير المهام.

برأيكم إن كانت بعض الروايات قد ساهمت في علاج بعض الاضطرابات النفسية، فهل يعود ذلك لقدرة الكاتب وفهمه للطبيعة البشرية أم لإيمان القارئ بما يقوم بقراءته لحتى ساهم ذلك في علاجه؟ أم تظنون أنّ للأمر تفسيراً آخر؟  ثمّ، ألا يجعلنا الأمر نعيد النظر بتأثير الروايات الجيدة؟

فسيجموند فرويد قام باستخدام  الرواية في جلسات التحليل النفسي للجنود العائدين من الحرب، أما المحلل النفسي إريك فروم فقد رأى بأنّ بعض الروايات تساهم في فهم العمق الإنساني أكثر من الكتابات التحليلية النفسية.

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ التوتر لدى المرضى انخفض بنسبة 86% بعد مرور 6دقائق فقط من قراءة كتاب، حيث حلّل علم النفس تأثير القراءة بكونها وسيلة للابتعاد عن مشاكلنا الخاصة، والاندماج مع الشخصيات الخيالية، ومدّ الشخص بالطاقة الداخلية، وفي العلاج الجسدي ساهمت الروايات في تحفيز مناطق عصبية محدّدة من الدماغ على مقاومة الآلام، وذلك وفق مسح للدماغ بالرنين المغناطيسي للمشاركين في مجموعة من التجارب.

طريقة العلاج بالكتب هو ما تمّت تسميته (بيبليوثيرابي) ويعني استخدام قراءة الكتب في علاج الأمراض العصبية، حتى أنّ هنالك دراسة قد بيّنت بأنّ أحد البرامج العلاجية ويسمّى (الدخول للقراءة) قد حقّق نسبة نجاح 65% في علاج الإدمان بكافة حالاته.

والآن، ألا تظنون أننا بحاجة لإعادة التفكير فيما نقرؤه وبالذات الروايات؟؟ فالأمر لم يعد تحقيقاً للمتعة، بل بات مرتبطاً بصحتنا النفسية والجسدية.

المشكلة كيف سنجد الكتاب الذي يستطيع تحفيز تلك المناطق العصبية وتحقيق المطلوب منه؟ لأنني أظن أن الفكرة لا تقوم على أن تقرأ بقدر ما تعتمد على ماذا تقرأ.