في كتابه "الكذب"، يقول الفيلسوف المعاصر سام هاريس أن الصراحة دائمًا هي المنقذة. أحيانًا في أشياء واضحة نعلمها جميعًا ولكن في أحيان أخرى نتعود على كذبات صغيرة نسميها بالكذبات البيضاء ونرى دائمًا أن هذه الكذبات مبررة لأن هدفها الصالح العام أو لأنه لا توجد تداعيات واضحة لها في مخيلاتنا. 

حكى هاريس قصتين في هذا الصدد القصة الأولى لسيدة كانت تقطن فندقًا مع ابنتها الصغيرة وكانت في طريقها لزيارة صديقة ولم يكن هناك وقت لشراء هدية ففكرت السيدة أن تأخذ علبة المعطر من حمام الفندق بدعوى أنها يتم تغيرها عند كل مبيت وأنها دفعت سعرها ضمن الإقامة، وإذن تعطي السيدة صديقتها المعطر وتسألها الصديقة من أين جاءت بمعطر جميل الرائحة كهذا فتقول السيدة أنها أشترته من محل في الطريق عندئذ تقول ابنتها: لا تكذبي يا أمي لقد أخذناه من الفندق! هكذا لم تعرّض المرأة نفسها للاحراج فقط وإنما ظهرت أمام ابنتها بصفة ذميمة رغم أن موقفًا كهذا كان يمكن الاعتذار عنه بدلًا من محاولة إرضاء الأصدقاء حتى لو اضطررنا للكذب عليهم.

في موقف أخر أقل احراجًا يحكي هاريس عن جلسة عائلية تسأل فيها الزوجة زوجها هل يناسبني هذا الفستان؟ ماذا نعتقد ستكون الإجابة؟ لا شك أنّ أحيانًا يكذب المرء كي لا يزعج من أمامه أو هروبًا من نقاش بسيط لا يحب التطرق إليه وحينها يخفي الناس آراءهم الحقيقية فقد قال الرجل الذي لم يعجبه الفستان في هذه الحالة أنه جميل معطيًا زوجته دفعة من الثقة وهو أمر جيد ولكن الأمر الذي استغربته حقًا هو أن الكاتب يرى أنّ حتى الكذب في هذه الحالة غير مبرر. ويرى أنه من الأفضل أن تقول دائمًا الحقيقة ، ولكن أليس قول الحقيقة قد يكون مزعج! أليس من وراء قولها نجرح الآخرين ونؤذي مشاعرهم؟! لكن هاريس يقول أنه يجب قول الحقيقة حتى لو كانت مُرة لسببين الأول، أنه إن عُرِفَ أنك تريد ارضاء الجميع لن يثق أحدٌ في رأيك مجددًا وسيعتبرونه ضربًا من ضروب المجاملات وهو ما لا تريد وقوعه بين أقرب أصدقائك أو شريك حياتك. والثاني، أنه إن كنت تقول دائمًا الحقيقة عندما يعجبك شيء سيعرف الطرف الأخر أن هذا رأيك الحقيقيّ فعلًا وسيثق فيه وسيثق أيضًا أنك تهمك مصلحته على المدى البعيد أكثر من رضائه اللحظي. 

وإذن ما رأيكم في مبررات هاريس؟ هل معه حقًا في ذلك؟ أم الكذبة البيضاء والمجاملات ضروريات؟