فكرة السلسلة: أعتقد أن الفكرة واضحة، في هذه السلسلة سأجمع مقتطفات من بعض الكتب تتحدث عن المرأة، لنرى ما قاله أشهر الكتاب و الفلاسفة عنها.
عنوان الكتاب: النظرات
اسم الكاتب: مصطفى لطفي المنفلوطي
عدد الصفحات: 856
الصنف: أدبي، اجتماعي
يقول الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي في هذا الكتاب عن المرأة:
"نعم إن الرجال قوامون على النساء كما يقول الله تعالى في كتابه العزيز، ولكن المرأة عماد الرجل، وملاك أمره، وسر حياته، من صرخة الوضع، إلى أنَّة النزع.
لا يستطيع الأب أن يحمل بين جوانحه لطفله الصغير عواطف الأم، فهي التي تحوطه بعنايتها ورعايتها، وتظلله بجناح رحمتها و شفقتها، وتسكب قلبها في قلبه حتى يستحيلا إلى قلب واحد، يخفق خفوقا واحدا و يشعر بشعور واحد، و هي التي تسهر عليه ليلها و تكلؤه نهارها، و تحتمل جميع آلام الحياة و أرزائها في سبيله، غير شاكية و لا متبرمة، بل تزداد شغفا به، و إيثارا له، و ضنا بحياته بمقدار ما تبذل من الجهود في سبيل تربيته، و لو شئت أن أقول لقلت: إن سر الحياة الإنسانية، و ينبوع وجودها و كوكبها الأعلى الذي تنبعث منه جميع أشعتها ينحصر في كلمة واحدة هي (قلب الأم).
و لا يستطيع الرجل أن يكون رجلا تام الرجولة حتى يجد إلى جانبه زوجة تبعث في نفسه روح الشهامة و الهمة، و تغرس في قلبه كبرياء المسؤولية و عظمتها، و حسب المرء أن يعلم أنه سيد و أن له رعية كبيرة أو صغيرة تضع ثقتها فيه، و تستظل بظل حمايته و رعايته، و تعتمد في شؤون حياتها عليه، حتى يشعر بحاجته إلى استكمال جميع صفات السيد و مناياه في نفسه، فلا يزال يعالج ذلك و يأخذ نفسه به حتى يتم له ما يريد، و ما نصح الرجل بالجد في عمله و الاستقامة في شؤون حياته؟، و سلوك الجادة في سيره، و لا هداه إلى التدبير و مزاياه، و الاقتصاد و فوائده، و السعي و ثمراته، و لا دفع به في طريق المغامرة و المخاطرة؛ و الدأب و المثلبرة، مثل دموع الزوجة المنهلة، و يدها الضارعة المبسوطة.
و لا يستطيع الشيخ الفاني في أخريات أيامه أن يجد في قلب ولده الفتي من الحنان و العطف، و الحب و الإيثار، ما يجد في قلب ابنته الفتاة، فهي التي تمنحه يدها عكازا لشيخوخته، و قلبها مستودعا لأسراره، و هواجس نفسه، و هي التي تسهر بجانب سرير مرضه ليلها كله تتسمع أنفاسه، و تصغي إلى أناته، و تحرص الحرص كله على أن تفهم من رعشات يديه، و نظرات عينيه حاجاته و أغراضه، فإذا نزل ستار الموت بينها و بينه كانت هي من دون أهله جميعا الوارثة الوحيدة التي تعد موته نكبة عظمى لا يهونها عليها، و لا يخفف من لوعتها في نفسها، أنه قد ترك من بعده ميراثا عظيما، و كثيرا ما سمع السامعون في بيت الميت قبل أن يجف تراب قبره أصوات أولاده يتجادلون، و يشتجرون في الساعة التي يجتمع فيها بناته و نساؤه في حجراتهن نائحات باكيات.
و جملة القول: إن الحياة مسرات و أحزان، أما مسراتها فنحن مدينون بها للمرأة؛ لأنها مصدرها و ينبوعها الذي تتدفق منه، و أما أحزانها فالمرأة هي التي تتولى تحويلها إلى مسرات أو ترويحها عن نفوس أصحابها على الأقل، فنحن مدينون للمرأة بحياتنا كلها.
و أستطيع أن أقول و أنا على ثقة مما أقول : إن الأطفال الذين استطاعوا في هذا العالم أن يعيشوا سعداء معنيا بهم و بتربيتهم و تخريجهم على أيدي أمهاتهم الأرامل الضعيفات أضعاف الأطفال الذي نالوا هذا الحظ على أيدي آبائهم الأقوياء الأثرياء بعد فقد أمهاتهم، و للرحمة الأموية الفضل العظيم في ذلك.
فليت شعري هل شكرنا للمرأة تلك النعمة التي أسدتها إلينا و جازيناها بها خيرا؟
لا . . لا، لأننا إن منحناها شيئا من عواطف قلوبنا و مشاعر نفوسنا فإننا لا نمنحها أكثر من عواطف الحب و الود، و نضن عليها كل الضن بعاطفة الاحترام و الإجلال، و هي إلى نهلة واحدة من موارد الإجلال و الإعظام أحوج منها إلى شؤبوب متدفق من سماء الحب و الغرام.
قد نحنو عليها و نرحمها، و لكنها رحمة السيد بالعبد، لا رحمة الصديق بالصديق، و قد نصفها بالعفة و الطهارة، و معنى ذلك عندنا أنها عفة الخدر و الخباء، لا عفة النفس و الضمير، و قد نهتم بتعليمها و تخريجها و لكن لا باعتبار أنها إنسان كامل لها الحق في الوصول إلى ذروة الإنسانية التي تريدها، و في التمتع بجميع صفاتها و خصائصها؛ بل لنعهد إليها بوظيفة المربية أو الخادم أو الممرضة، أو لنتخذ منها ملهاة لأنفسنا، و نديما لسمرنا و مؤنسا لوحشتنا؛ أي أننا ننظر إليها بالعين التي ننظر بها إلى حيوانتنا المنزلية المستأنسة لا نسدي إليها من النعم، و لا نخلع عليها من الحلل، إلا ما ينعكس منظره على مرآة نفوسنا فيملؤها غبطة و سرورا.
إنها لا تريد شيئا من ذلك، إنها لا تريد أن تكون سرية الرجل و لا حظيته، و لا أداة لهوه و لعبه، بل صديقته و شريكة حياته.
إنها تفهم معنى الحياة كما يفهمها الرجل، فيجب أن يكون حظها منها مثل حظه.
إنها لم تخلق من أجل الرجل، بل من أجل نفسها، فيجب أن يحترمها الرجل لذاتها لا لنفسه.
يجب أن ينقس عنها قليلا من ضائقة سجنها لتفهم أن لها كيانا مستقلا، و حياة ذاتية و أنها مسؤولة عن ذنوبها و آثامها أمام نفسها و ضميرها، لا أمام الرجل، يجب أن تعيش في جو الحرية المنعشة، و تستروح رائحته المنعشة الأريجة، ليستيقظ ضميرها الذي أخمده السجن و اللاعتقال من رقدته و يتولى بنفسه محاسبتها على جميع أعمالها، و مراقبة حركاتها و سكناتها، فهو أعظم سلطانا، و أقوى يدا من جميع الوازعين المسيطرين.
يجب أن نحترمها لتتعود احترام نفسها، و من احترم نفسه فهو أبعد الناس عن الزلات و السقطات.
لا يمكن أن تكون العبودية مصدرا للفضيلة، و لا مدرسة لتربية النفوس على الأخلاق الفاضلة، و الصفات الكريمة، إلا إذا صح أن يكون الظلام مصدرا للنور، و الموت علة في الحياة، و العدم سلما إلى الوجود.
كما لا أريد أن تتخلع المرأة و تستهتر، و تهيم على وجهها في مجتمعات الرجال و أنديتهم، و تمزق حجاب الصيانة و العفة المسبل عليها، و هو المعنى الذي يفهمه البسطاء عادة من كلمة الحرية عندإضافتها إلى المرأة. كذلك لا أحب أن تكون مستعمرة ذليلة يسلبها مستعمرها كل مادة من مواد حياتها، و يأخذ عليها كل طريق حتى طريق النظر و التفكير.
و بعد؛ فإما أن تكون المرأة مساوية للرجل في عقله و إدراكهأو أقل منه. فإن كانت الأولى فليعاشرها معاشرة الصديق للصديق، و النظير للنظير، و إن كانت الأخرى فليكن شأنه شأن المعلم مع تلميذه و الوالد مع ولده، أي أنه يعلمها و يدربها، و يأخذ بيدها حتى يرفعها إلى مستواه الذي هو فيه، أو ما يقرب منه ليستطيع أن يجد منها الصديق الوفي و العشير الكريم.
و المعلم لا يستعبد تلميذه و لا يستذله، و الأب لا يحتقر ابنه و لا يزدريه"
ما رأيك فيما قاله المنفلوطي؟ هل تعتقد أن المرأة مساوية للرجل أم أنها أقل منه؟ كتب المنفلوطي هذا في القرن الماضي فهل تعتقد أن شيئا تغير في حاضرنا؟ هل أصبحنا نحترم المرأة؟
التعليقات