سكت المطر

وفية هي الجدران تحفظ اسرارنا تستر كل عيب و تخفي

الحقيقة ،، بكماء تكتفي بالإنصات ، 

 خلف ذلك الطود العظيم جلست سيدة القصر ،، الى مقامها المعهود تحاذيها منضدة صغيرة فوقها طبق من الفخار العتيق تزينه نقوش ذهبية اللون فيه تربع ابريق الشاي صحبة زوجين من الكؤوس البلورية  ، ترفع ساعدها لتعيد ترتيب خصلات شعرها التي اخفت جمال عيونها رغم ما حملته من احزان و ذاكرة ، ،

ثم مدت يدها لتسكب بعض الشاي لها والى من كان يجالسها ، ، تستمع الى زخات المطر لقد طالت الليالي الباردة  ولم يخفف عنها وطئ الفتور غير تلك المدفئة هي جلستها الوفية  تحاول ان تنسى ولكن ضجيج الهبوب يعيدها الى حيث لا تريد  

 داخل القصر اشياء رائعة تعبر عن عمق اصحابه و شده اهتمامهم بالتفاصيل ، كل ذلك الاثاث الكلاسيكي يحيلك الى زمن عريق الى رقي و فخامة ساحرة ، تلك الارائك الكبيرة التي غلفت بأجود خامات الاقمشة  المخملية  الفاخرة وتلك الوسائد المريحة تضيف لمسات الابداع و الإمتاع ، تحتل التحف النحاسية و البرنزية اركان غرفة الجلوس تحاكي اسلوب تيودور في رونقه  حيث تشعور بالثراء المطلق ، وكأنك تزور متخف عريق في احدى العواصم الغربية ، جدرانه العظيم تلك التي بإبداع والفن ارتقت الي مراتب الجنون عراقة واتزان كمثل الخيال  علقت على جوانبها ستائر مدهشة صممت من قماش الستان و تزينها طبقة ثانوية بنقوش محفورة تزيدها سحرا   ، جمال المكان لا يقل عن جمال صاحبته التي استقبلت عقدها الثالث ببهاء لا مثيل لمثله ،  تلك الملامح الساطعة الرقيقة  صفاء وجهها الناصع الذي تخللته سمرة لطيفة ،  شعرها الذي يخجل منه سواد اليل اذ فاقه ، كذالك الحاجب الكثيف الذي يحفظ سحر عيونها  كما يحمي المحار كنزه الصغير ، اما القوام فالريم في رشاقتها اما الكلام فالسر في فصاحتها ،،   

تكلمت فسكت الريح و انصت المطر ، قالت ، 

كما الماء في مجاره مثلي مهما غاب عنه عاد اليه  

قال ،،،  

مالي ارك رغم السخاء و الترف تخفين الكثير  

قالت ، 

و ما نحن غير اسرار و دفائن  

قال ،،  

هل تثقين 

قالت ،،، 

 قد يقتلنا احيان من نعتقد انه شفاء لنا لذلك ادركت ان الثقة فالبشر سراب يحسبه الظمآن ماء  

قال ،، 

وهل قتلك احد 

تعالت ضحكاتها ثم زاره صمت غريب و كأن عقلها رحل بعيدا تارك ثغر باسما و عين باكية  ثم عادت ،، لتستدرك الحديث  

 لقد تأخر الوقت  

شعر بالإحراج وادرك ان فضوله ازعجها و ربما طرق باب من ابواب القلب المؤصدة ، 

اعتذر ،، 

لا عليك ليس هنالك من امر يستحق الاعتذار فلست وحدك من يعشق القطط و اساليبها 

،،، هل ابدو لك فضوليا اذا 

 لم اعهد الحكم على التجارب قبل خوض في الغمار ،،،  

لن تزيدني عبارتك غير الغموض و التشويق  رغم انني لست من عشاق الاسرار الى انك اغرب ما صادفت ،،  

 لو اننا ادركنا الحقائق مسبقا ما سلكنا طريق ،، انها و ان اعيت تفكيرنا تزيدنا اصرار و تعلق ،،،  

  يرفع الجليس رأسه ليسنده الى ضهر الاريكة و كأنا اثقال الكون حطت على كتفيه ثم يطلق زفير الاعماق  في محاولة استعطاف  لكنها كانت اشرس من ان تستسلم في اول جولة ،،  

  كانت جدتي تقول دائما ،،، واكب العصر و احذر الانسلاخ ، اقبل الاعتذار و اكرم الضيف ، و عامل البشر بالرحيق مهما  لسعتك الاشواك ،، ،،

جدتك ايضا مدهشة و الدر يصنع الدرر ،،،     

لذلك اسمح لي ان اتركك لبعض الوقت يجب ان اجهز طاولت العشاء ،،، 

لككنا اتفقنا على كوب قهوة ليس اكثر 

لنترك القهوة الى السمر هل تريد ان تغضب مني جدتي وان تنعتني بالمتمردة ،،  

كما تشائين لا يمكن ان ارفض عرضك المغري ،،و اسلوبك الجريء  

نحو المطبخ توجهت واي المطابخ هو ،، كأنك اذ دخلت تركت الماضي وتقدمت في العمر الى عصر اخر حديث شديد التطور ،،، تلك الرفوف والجوارير المعلقة التي تسحب الى الخارج بأسلوب سلس رتبت فيها جميع انواع العلب و القوارير الصغيرة مختلفة الالوان والاشكال تقسم بين الجزء العلوي و الرفوف السفلية طبقات عريضة من رخام ، فانسيا الاسباني وردي اللون ،، وفيه ذلك الموقد البلوري الاسود الحديث ،،، و حوض متوسط الحجم ،،    

ساعدتها رحابة المطبخ على تصميم تلك الخزائن الكبيرة المتناسقة خصصت فيها مواقع الفرن و المايكرويف ، ،،،و انتصب على يسارها ثلاجة كبيرة ذات بابين ،، فيها جل ما يشتهي الخاطر و يطيب ،، غلال الفصول و خضر طازجة و انواع الاجبان الطبيعية و المستوردة ،، عصائر صحية صنعتها اناملها الرقيقة  ،،، وما ان دخلت مطبخها حتى انطلقت في تزين اطباق الطعام التي سبق ان اعدتها ،، في كل تلك الدقائق التي سرقتها منه توجه ليكتشفها  اكثر توجها الى ذلك الركن  الصغير في اخر رواق القصر ، الى كنز اسرارها الى جل افكارها الى معتقداتها و توجهاتها الى هوايتها و و هويتها اختياراتها الى صندوقها الاسود الى مكتبتها ،،، طاف بين رفوفها قرأ العديد من عناوينها حرك اصابعه ليلامس كل كتاب و كأنه يتقصى اثارها او و يفك شيفرة بصماتها و من بين جميع ما وجد توقف عند ذاك الكتاب ،، ربما ما جعله يفضله انها اشارت الى الكثير من الصفحات و حددتها بقطع من الاوراق الملونة ،، ما جعله يدرك انها شديدة التعلق به و بتفاصيله لعله يعثر بين صفحاته على علامات تعبر عنها و تكشيفها  ، ربما يجد مفتاح قلبها و سر تعاستها ،، لكنه لا يرغب ان يفعل ذلك سرا مخافت ان يجرحها ،، فسألها دون تحديد ،،، 

هل تحبين الكتب ،،،،

قالت بجنون ،، 

قال هل استعير 

قالت كلها لك شرط ان تحنو عليها كما افعل 

قال هي في العين ان انت تسمحين  

 و لآن اسرع قبل ان يبرد الطعام  

وضع الكتاب داخل حقيبته دون ان يعلمها عنوانه ،، ثم اتجه نحو غرفة الطعام ،، ولم يتوقف اندهاشه و اعجابه بما وجد داخلها ، طاولة الزان التي تربعت اوسطها رفقة فريقها من الكراسي الثمانية ،،، اسدل على سطحها غطاء من قماش الكروشيه التي تشتهر به مدينتها العريقة و الذي صممته خالتها في ورشة تديرها رفقة نساء القرية ،،، تزينت جوانبه بأربطة الستان ،   ،،، اما عن ما صنعت يداها من الاطباق ، اول ما يشد نضرك الوان الخضر الطازجة في اطبق السلطة ،