الحكمة أفضل من الجهل، ولكن في بعض الأحيان لا تكون كذلك .. إلى أي مدى يجب أن يذهب الإنسان ليصير حكيما؟ وما هي الأشياء التي يمكنه فعلها من أجل ذلك؟ هناك أوقات نتنمى ألا نشهد فيها أحداثا معينة لأن الثمن الذي دفعناه لاكتساب هذه الحكمة كان باهظا للغاية.

أسطورة شهمران هي قصة جميلة لكنها أيضا حزينة تحكي عن رجل اكتسب حكمة بالغة ولكن وسيلته في ذلك لم تكن جيدة، وعلى الرغم من أنه قضى بقية حياته كرجل حكيم معروف ومحترم إلا أن قلبه كان دائما مليئا بالحزن، ومهما حاول فلم يتمكن أبدا من أن ينسى المخلوق الرائع والحكيم الذي التقى به وخسره.

إن أسطورة شهمران، والتي ظهرت مع بعض الإختلافات في فولكلور كل من بلاد إيران والأناضول والعراق وبلاد كردستان، ليست مجرد قصة عن الحكمة والحب والجشع والخسارة ولكنها كشفت أيضًا عن سبب تحول الثعابين إلى أعداء لدودين للإنسان.

تقول الأساطير القديمة أن شهمران كانت نصف امرأة ونصف ثعبان، وتعتبر أسطورتها قديمة جدًا وهناك العديد من الاختلافات في نفس القصة .. وفي تركيا ترتبط شهمران بمدينة طرسوس المتوسطية.

في النسخة التركية من الأسطورة كان الشاب الذي قابل شهمران يُدعى طهماسب Tahmasp (في روايات أخرى يُعرف باسم يادا جمساب أو جميساف). وكان طهماسب حطابا وسيمًا لكنه كان فقيرا.

ذات يوم وأثناء وجوده في الغابة يقطع الأشجار ، صادف طهماسب برفقة أصدقائه بئرًا غامضة مليئة بالعسل فنزل طهماسب الى البئر ليحصل على العسل الموجود فيه، ولكنه علق عندما أراد العودة إلى السطح، ولم يكلف أصدقائه عناء انتظاره وتركوه وحيدا في البئر.. وفي نسخة أخرى من الأسطورة قيل أن طهماسب وأصدقاؤه وجدوا كهفا به العسل وليس البئر.

وكان طهماسب قلقا لا يدري ماذا يفعل، وبعد أن يئس من محاولة الوصول الى السطح ويئس من أصدقائه الذين تخلوا عنه قرر طهماسب أن يستكشف البئر جيدا عله يجد مخرجا، وفجأة اكتشف حفرة في قاع البئر، وصار متحيرا من أمرها وتسائل إلى أين تقود، ولكونه شابا شجاعا وفضوليا أمسك طهماسب بسكين وجعل يزيد من اتساع الحفرة بما يكفي ليتمكن من العبور خلالها. واستطاع الزحف عبرها إلى الأسفل فوصل الى كهف عميق ومظلم ولكنه كان تعبا ومرهقا لدرجة أنه نام من فرط إعيائه.

وعندما استيقظ طهماسب شعر برعب شديد لأنه رأى الآلاف من الثعابين حوله، وكان مقتنعا بأنهم سيقتلونه.. وبدأ يدعو الله ليخلصه، وكان الشاب جالسًا يرتجف و لا يعرف ماذا يفعل وكان خائفًا جدًا لدرجة أنه أغمض عينيه، ولكن الثعابين لم تبدو معادية تجاهه بل كانوا ينظرون إليه ببساطة.

عندما فتح طهماسب عينيه رأى امرأة جميلة نصفها العلوي بشري والنصف الآخر ثعبان، وكان طهماسب مذهولًا وغير قادر على الكلام فهو لم ير قط أي مخلوق رائع مثل هذا من قبل.. و قالت له الأفعى ألا يخاف، وأوضحت أن اسمها شهمران وأنها ملكة الثعابين، وأخبرته أيضًا أنه الآن في أرض الثعابين وأنه ضيف بينهم وأنه ليس هناك ما يخافه، ثم غادرت الفتاة ونام طهماسب مرة أخرى.

في صباح اليوم التالي عادت شهمران إلى طهماسب وأخذته في جولة ليرى مملكة الثعابين المذهلة، حيث تم اصطحاب طهماسب إلى قاعة كبيرة و حديقة جميلة و تناول وجبة الإفطار وكان مفتونًا بجمال هذه الأفعى الغامضة .. ومع مرور الوقت أصبح طهماسب مقيمًا دائمًا في أرض الثعابين الجوفية بعدما شعر بالأمان معهم، بل أصبح يحب رفقة هذه الحيوانات الزاحفة الذكية والملونة. و وقع هو وشهمران في الحب رغم أنه يختلف عنها في الشكل، لكنه كان سعيدًا، أو على الأقل كان يعتقد ذلك. و بعد فترة من الزمن أدرك أنه على الرغم من حبه لشهمران إلا أنه يفتقد عائلته.

كانت شهمران مترددة في السماح له بالرحيل لأنها كانت تحبه، لكنها كانت حكيمة وفهمت أنه يجب أن يكون بصحبة بني جنسه من البشر، فسمحت له بالعودة إلى العالم العلوي ولكن بشرط واحد فقط، يجب ألا يكشف أبدًا عن موقع مملكتها و عن أرض الثعابين تحت الأرض، و أخبرته أيضًا أنه يجب أن يكون حذرًا لأنه بعد كل هذا الوقت الذي أمضاه في مملكة شهمران فقد اكتسب بعض خصائص الثعابين،  و أوضحت شهمران لطهماسب أنه لا يجب أن يستحم أبدًا بجانب أشخاص آخرين لأن ملامسته للماء ستجعل جلده يتحول الى جلد الثعابين!

عاد طهماسب إلى السطح بعدما وعد بعدم الكشف عن سر شهمران، ومرت سنوات عديدة وكان كل شيئ على ما يرام، حتى مرض ملك المدينة ذات يوم، وقال الأطباء إن الحاكم لا يمكن شفاؤه إلا إذا أكل لحم شهمران. وبطريقة ما علم الملك أن هناك شخصًا ما في المدينة يعرف مكان وجود شهمران وأرض الثعابين ولكن لم يكن لديه أدنى فكرة عن هويته، فأمر الملك بصب الماء على جميع سكان المدينة لأنه علم أن ذلك يكشف كل من لديه جلد ثعبان.

أما طهماسب فقد علم أن الماء سيكشفه وحاول الاختباء ، لكن الوقت كان قد فات، وأمر الجنود الجميع بالذهاب إلى الحمامات العامة ليتم سكب الماء عليهم ، وبينما كان الشاب يحاول الفرار أسره رجل من رجال الملك واقتاده إلى حمامات المدينة. ولم يكن باستطاعة طهماسب فعل شيء ، و عندما سكب الجنود الماء عليه اتضح الأمر وبدا وكأنه ثعبان.. ثم تم نقل طهماسب إلى الملك حيث كشف تحت التعذيب سر الملكة شهمران. وبمجرد أن علم الجنود أين يجدون أرض الثعابين سارعوا بالذهاب إلى هناك وأمسكوا بشهمران وأخذوها إلى قصر الملك.

وعندما رأى طهماسب المرأة الأفعى الجميلة بعدما تم القبض عليها شعر بالفزع لأنه لم يستطع الوفاء بوعده، وكانت شهمران تعلم بأنها ستموت ، و قالت: 

"بما أنني على وشك الموت ، سأعطيكم سرّي.. إن كل من يأكل ذيلي ينال حكمة غير محدودة و يطول عمره ولكن من يأكل رأسي يموت ".

قتل الحراس شهمران وقطعوها إلى ثلاث قطع، أما قائد الحرس والملك فقد تمنيا أن يصبحا حكيمين وأراد الملك أن يعيش طويلاً فأكلا ذيلها، وأما طهماسب فمن حسرته وندمه على شهمران فقد أراد أن يموت فأكل جزءًا من رأسها.

وما لم يعرفوه هو أن شهمران خدعتهم قبل وقت قصير من قتلهم لها، مات الملك وقائد الحرس بينما نجى طهماسب ولم يمت، وباتت حكمة شهمران الآن جزءًا من طهماسب. وأصبح طهماسب رجلاً حكيمًا لكنه كان وحيدًا وحزينًا، و لم يستطع تحمل حزن فقدان شهمران، و ترك منزله وتجول من أرض إلى أخرى ومن جبل إلى جبل ، وأصبح معروفًا في كل مكان بأنه رجل حكيم.

ربما أظهرت أسطورة شهمران لماذا أصبحت الثعابين أعداءا للإنسان ولماذا لا يمكنهم أبدًا أن ينسوا ويغفروا القتل الوحشي الذي حصل لملكتهم من طرف الإنسان.

إذا ما سافرت إلى تركيا فستجد أن شهمران لا تزال مصورة في الطرز و الأقمشة و المجوهرات، كما تعتبر قصة شهمران ثروة وطنية في تركيا. ولا تزال قصتها شائعة الى اليوم، و كانت أوصاف مملكتها السرية موضوعًا للعديد من الكتب.. بما فيها حكايات ألف ليلة وليلة.