مع إلحاح أمه له ليعود إلى عمله في الغيط ليكمل ما كان يقوم به مع والده انطلق صبيحة يوم بارد قبل شروق الشمس الى حقله الذي لم يكن بعيدا عن منزله كثيراً...يجر ساقيه بتثاقل، لم يعد يرغب بشيء واختفت كل تلك الحماسة وأصبح لا يريد العيش والحياة...اصبحت ضرباته تفتقر للقوة ... يرفع معوله عاليًا ويضرب الأرض القاسية حتى يرتعش ويكاد يسقط...
تتالت ضرباته البطيئة حتى أحسّ بأنّه قد هوى بإحدى ضرباته على شيء صخريا صلب...ازاح التراب قليلا ليجد صندوقا صغير...فرح كثيرا وابتسم واعتقد بأنّه شيء قد دفنه والده هنا ونسي قبل موته أن يخبره به فأخذته اللهفة ليعرف ما فيه....
حاول بقوة فتحه ولكنه كان صلب للغاية فراح يبحث عن صخرة تساعده على ذلك، وما إنْ رفع يده بالصّخْرة عاليا وهوى بها على الصندوق حتّى انفتح وحده دون أنْ يلمسه....ضحك من ذلك وكأنّ الصندوق قد خاف من ضربته...نظر ليجد فيها خاتم صغير بلوري....ساده الغضب وكاد يرمي به... كان يعتقد بأنّه سيجد شيئا مهم يذكره بوالده...وضع الخاتم في جيبه ورما بالصندوق بعيدا وواصل عمله حتى غروب الشمس ثم عاد إلى منزله ليجد أمه التي صاحت لرؤيته قائلة
_أين كنت يا بني...لما تأخرت كل هذا الوقت...
شعر سليمان بأنّه أخطأ في حق أمّه وتركها لوحدها يوما كامل وهي لا تستطيع الحركة من فراشها فأخذ يقبّل يدها و يطلب الرضا منها قائلا..
_سامحيني يا أمّي...لا أعرف ما الذي أصابني...لم أعد أشعر حتى بوجودي ولا بالوقت....ولا بأيّ شيء....أنا زهأت ياما...لماذا تركني أبي ورحل...لماذا...
_استغفر ربك يا بني...دي إرادة ربّنا...و يجب أن نرضى بحكمه...فهو اللطيف الخبير ولا يفعل شيء إلاّ لحكمة، هو يعلمها فقط...إنت بس خلي إيمانك بربنا كبير يا بني...
مسح الدموع عن عينيه وقبَّل أمّه على جبينها قائلا
_اه...ياما...لو أستطيع فعل شيء لتكونين سعيدة و أنت تسيرين على ساقيك كما كنت سابقا...أريد أنْ أعوضك عنك كل الحرمان...أبويا راح ولم أستطع أنْ أقوم بأيّ شيء يفخر به...
أجابته أمه..
_احنا بنفتخر بيك يا بني زي ما أنت، فارضى بما قسمهولك ربنا و لا تخف من المستقبل فحكمه عند الله..
_سأذهب الان لأعد شيئا ناكله...الأكيد أنك جائعة مثلي..تلاإيكي مكلتيش مصبح...
ضحكت أمه قائلة
_روح يا بني ربنا يرضى عليك..
دخل إلى المطبخ أو الغرفة التي تسمى بذلك، والتي كانت لا تحمل أي شيء يدعو لذلك...مظلمة كالأيام التي يعيشها سليمان خلف هذا الفقر القاسي كقساوة أيّام الشتاء الباردة في قرية العزيزية...حاول أنْ يشعل الفانوس كي ينيره بشيء من ذلك الوميض الذي يسمى نور الذي سيحاول من خلاله رؤية الاشياء الموجودة و التي تقتصر على بعض الأواني المبعثرة و موقد تقليدي صغير...وحين كان يبحث عن الفانوس ليشعله أحسّ وكأنّ شيئا ما ينير له الطريق، نظر ليجد وميض ينبعث من جيبه...أدخل يده ليخرج الشيء المضيء.....لقد كان ذلك الخاتم البلوري...أعجبه منظره فقربه من عينيه...كانت هناك كتابات فرعونية مطبوعة عليه لا يستطيع فهمها... استفاق من ذهوله فجأة قائلا..
_اوه...ماذا أفعل الان...يجب أن أُعِدَّ الطعام...
و صدر بعد قوله اهتزاز في ذلك الخاتم و ذهل من المنظر الذي راه امامه...
الجزء الاول موجودة على الرابط
التعليقات