كأنه كتب علينا العيش هكذا .. معلقين في منتصف الاشياء كلها لا نحب مايحدث ولا يحدث مانحبه .. «أحمد خالد توفيق»

بينما كنت اتنقل بين مقاطع الفيديو على الفيسبوك وقع أمامي مقطع لسيدة أحبها شهيرة بالحديث عن التربية والطفولة وحقوق كلًا من الأهل والطفل، وقد كان الحديث حول احصائية للوقت الذي يقضيه كلًا من الطفل والمسجونين في الشمس والهواء الطلق. وحقيقة فإن ما لفت نظري ليس موضوع المقطع، وإنما جملة قالتها في نهايته، حيث قالت بأن الطفولة تُعاش مرة واحدة، فلنحرص على أن تكون مميزة ومفيدة للطفل إذًا.

استوقفتني الجملة كثيرًا، وشعرت بأنها لا تنطبق على مرحلة الطفولة وفقط، بل على كل مراحل الحياة؛ فالإنسان لا يمكنه مطلقًا العودة للخلف وللماضي وعيش ما لم يستطع عيشه. ما فات قد فات، والفرصة في العيش هي فقط للحظة التي نقف فيها الآن، وفيما هو آت من المستقبل إن كُتبت لنا الحياة.

ماذا إذًا؟

هكذا وجدتني أسأل نفسي، وقد أصيب عقلي بحيرة شديدة، وامتلأ قلبي بالحزن الدفين. حيرة من الكيفية التي نُحرم بها من فعل ما نريد، وعيش حياتنا كما نحب ونرضى، وحزن على لحظات ومراحل كاملة من حياتي ضاعت مني دون أمل في إمكانية عودتها وقضاءها بالصورة التي ارتضي بحق.

في تلك اللحظة التي اخترقت فيها الجملة أذني وقفت اتأمل الدنيا من حولي، واتعجب من قدرة إنسان ما على الحكم على إنسان آخر بشيء لا يرتضيه ولا يحبه بحجج واهية كالمصلحة العامة، والنصيحة وغيرها من الهراءات التي لا أرى الآن سوى أنها أنانية مفرطة، ورغبة جامحة مِن كل مَن لم يستطع اختيار من يريد في أن يعيش الجميع مثله، ويتذوقوا من نفس كأس المرارة التي ذاقها هو على مدار حياته.

قد يقول قائل (يا لك من فتاة تبحث عن الحزن بشتى الطرق، وتسعى لأن يتلبسها دور الضحية أيما تلبس) ولهذا أقول:

يا صديقي لقد جئنا لهذه الدنيا لأجل العبادة أليس كذلك؟ ثم إننا سنقف جميعًا بين يدي الرحمن فرادى نُحاسب على كل فعل ارتكبناه بقصد أو بدون قصد. فإن كنت سأدخل الجنة أو النار بعملي فقط بعد رحمة من الله طبعًا كما اخبرنا النبي، وإن كنت سأحاسب وحدي دون شريك أو معين، فلما ليس من حقي تخير ما أعيشه وما لا أعيشه والذي سوف أحاسب عليهم من الأساس وحدي وفقط؟!

سؤال آخر أوجهه لك.

إن ما نعيشه في هذه الدنيا من أحداث ووقائع يؤثر علينا وعلى نفوسنا بصورة أو بأخرى سواء بشكل إيجابي أو بشكل سلبي. فأنا على سبيل المثال قد أصاب باكتئاب حاد نتيجة اجباري من قبل أحدهم على فعل ما لا تطيقه روحي ونفسي، اكتئاب يجعل الدنيا سوداء في وجهي، ويتسبب في أن تكون المهام والعبادات وكل ما يقع على عاتقي ثقيلًا ثقل الجبال. فبرأيك هل عدل أن يقرر غيري ما يبتغي فعله وما لا يبتغي ثم أتحمل أنا نتائج هذا نفسيًا وجسديًا؟!

قد تقول وهل في هذا الزمن زمن الحرية والانفلات مَن يُجبر على فعل شيء من الأساس! لقد صار حتى الأطفال يفعلون ما يريدون وإن عارضهم الأهل أشد اعتراض.

هنا أجدني يا صديقي ابتسم بسخرية فاعذرني، فالإجبار لا يكون بالعصا والقيد وفقط، الإجبار قد يأتي على صورة تهكم من أحدهم على فعل آخر، أو بعادة لا أصل لها اعتادها مجتمع بأكمله ثم صار من يخرج عنها غريبًا يستحق الجلد حتى يعود للطريق القويم. الإجبار قد يأتي بالتهميش والتسفيه من أفعال الغير، الإجبار قد يأتي بسلطة أبوية أو دينية مستغلة أسوأ استغلال. الإجبار في أغلب الوقت ما هو إلا ابتزاز عاطفي يتم تجاه كل مَن رفض الانصياع لما انصاع له الملايين دون تفكير أو تدبر في حقيقة ما انصاعوا له وصحته من عدمه.

هذا هو الاجبار يا صديقي الذي يُمارس يوميًا على العديد ممن اختاروا لأنفسهم طرقًا مغايرة لما اختاره مجتمع بأكمله وارتضاه ثم لعن كل من خرج عنه. والأقوياء فقط والصامدون صمود الجبال هم وحدهم القادرين على مواجهة هذا القطيع من الناس. وهؤلاء أندر مما تتخيل يا صديق، وفي سبيل ما ارتضوه يكابدون الأهوال والمشاق النفسية التي لا يُطيقها أنس ولا جان.

إنني انظر الآن إلى حياتي وحياة آخرين مثلي، وارغب في البكاء بشدة على الحق الأصيل الذي حُرمنا منه بلا شفقة وهوادة. ثم اتساءل مجددًا ماذا يجب علينا فعله للحفاظ على ما تبقى لنا من الحياة وقضاءه بما يريح قلوبنا ويمنحنا السلام الذي نبتغي.

لا أجد جوابًا يروي ظمأي ويرشدني الطريق سوى الدعاء لرب العالمين، ثم التسلح بكل ما يمنحنا قوة جبارة نحارب بها من يحاولون سرقة هذا الحق الأصيل منا. إن الحل يكمن في أن نتمتع ولو لمرة بأنانية مفرطة تدفعنا إلى فعل ما نريد وإن حاربنا الكون بأكمله. فالحياة لا تُعاش سوى مرة، ومن ثم فهي تستحق أن نحارب لأجلها.

ولكل من عانى مثلي أو ما زال يعاني أقول، تذكر على الدوام أن ما تعيشه اليوم هو زائل بحلول الغد ولا أمل في عودته، فاحرص أيما حرص على فعله بالصورة الصحيحة والمناسبة لك ولمعتقداتك أنت لا معتقدات غيرك طالما أنك لا تغضب الله أو تفعل ما حرمه عليك. وتذكر حين اتخاذ قراراتك أنها بلا ريب ستؤثر على مستقبلك بصورة أو بأخرى، فخذ من القرارات ما يفيد مستقبلك ويمنحك القوة الكافية لمجابهة الحياة وصعابها. وما دون ذلك فهو والسراب سواء، فابتعد عنه.

كان الله في عونك وعون كل من عانى ويُعاني مثلك يا رفيق ..

والسلام ..