يقال إن الضوء هو دليل الحياة،

لكنّي بدأت أظن أنّ الظلام أصدق.

فيه لا ترى الوجوه، ولا تسمع الأسماء،

ولا تضطر لتبرير وجودك كل صباح.

ثمّة شيء ساخر في فكرة “الدفء العائلي”،

يشبه موقدًا يعمل على رماد الراحلين.

كلّما اشتعل أكثر، ازداد الاختناق.

تعلمتُ أن النجاة ليست في الهرب،

بل في الصمت أثناء الاحتراق.

أن تبتسم وأنت تتفحّم،

أن تقول “أنا بخير” وأنت تنفصل عن جلدك بهدوء.

الأمان؟

مجرد خرافة تربّت عليها الكائنات الضعيفة كي لا تنتحر مبكرًا.

أما أنا، فأكتفي بمراقبة نفسي من بعيد،

كمن يرى جسدًا يتحرك ببطء نحو لا شيء،

ويصفق له على التزامه بالمسرحية

أحيانًا، أشعر أنني لا أعيش هنا،

بل أستأجر جسدي مؤقتًا مثل غرفة في فندق رخيص.

أدفع ثمن البقاء بصمتي،

وأغادر كل ليلة إلى داخلي بلا أمتعة.

يقولون إن الهروب جبن،

لكنهم لا يعرفون معنى أن تُحبس في جلدك.

أنا لا أهرب من أحد،

أنا فقط أتحرك مبتعدًا عن الضجيج الذي يسمّونه حياة.

الهروب عندي ليس طريقًا بل أسلوب تنفّس.

أن تسير بخط مستقيم نحو لا مكان،

أن تصغي لخطواتك كأنها وعدٌ قديم لم يتحقق.

ربما لن أصل، وربما أصل إلى الفراغ ذاته،

لكن لا بأس،

فالفارغ أقل قسوة من المليء بالوجوه الخطأ.

وفي النهاية، حين يسألني أحدهم:

“إلى أين أنت ذاهب؟”

أبتسم وأقول: “إلى حيث لا يكون أحد بانتظاري."