إذا تأملت الطاووس وجماله البديع، أو تأملت في نفسك وعقلك، ستجد أن الخالق لم يخلق شيئًا عبثًا. الجمال المتناهي في ريش الطاووس والدقة الباهرة في تناسقه ليست مصادفة، بل رسالة عن عظمة الخالق وحكمته. وكذلك عقل الإنسان، هل يمكن أن يُوهَب له التفكير والتمييز والبحث عن الحقيقة بلا غاية؟ تخيّل صانعًا يصنع حاسوبًا معقّدًا، هل يمكن أن يصنعه عبثًا بلا هدف؟ فكيف بخالق السماوات والأرض أن يخلق هذا الكون والإنسان بغير حكمة أو غرض؟ إن وجود الغاية في الصنائع البشرية البسيطة دليل على أن الغاية أعظم وأوضح في خلق الله.

سؤال الملحد عن الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والأمراض والمجاعات، وربطه لها بعدم وجود إله رحيم، هو في حقيقته سوء فهم لطبيعة الكون ولسنن الله الجارية فيه.

أولًا: هذه الكوارث ليست عبثًا، بل هي جزء من النظام الكوني الدقيق الذي أوجده الخالق منذ بدء الخليقة. الله تعالى قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، أي أن الإنسان مُستخلف في الأرض ليعمرها ويُصلحها، لا ليعيش فيها بلا تكليف ولا مسؤولية. وجود السنن الطبيعية هو ميدان لاختبار عقل الإنسان وقدرته على الإصلاح.

ثانيًا: الكوارث لا تقع فجأة بلا مقدمات، بل لها أسباب يمكن للإنسان أن يعرفها ويتعامل معها. الزلازل لها إنذارات جيولوجية، الأعاصير لها مسارات معروفة، الأوبئة لها مسببات علمية وطرق وقاية، والمجاعات غالبًا تكون بسبب فساد الأنظمة وسوء توزيع الموارد. وهنا يظهر دور الإنسان: هل يكتفي بالتذمر، أم يستخدم عقله وعلمه الذي وهبه الله؟

ثالثًا: لو كان معنى الرحمة أن يُلغى كل ابتلاء، وأن يُمنع كل خطر، لما كان للحياة معنى، ولما ظهر في الناس مصلحون ولا علماء ولا مفكرون. إنما الرحمة الحقيقية أن يمنح الله الإنسان عقلًا يكتشف به القوانين، ويُهيّئ له سبل الوقاية، ويبتليه ليُظهر معادن القلوب: فمنهم من يرحم غيره، ومنهم من يتخاذل.

رابعًا: الواقع الحديث خير شاهد. انظر إلى اليابان: بلد صغير على حزام الزلازل، تتعرض باستمرار لأقوى الكوارث الطبيعية، ومع ذلك لم يرفعوا شعار "أين الله؟"، بل استخدموا عقولهم، فقاموا بدراسات وبحوث، وصمموا عمارات وناطحات مقاومة للزلازل، حتى صارت الخسائر عندهم محدودة جدًا. فهل نلوم الخالق، أم نلوم من لم يتعلم من سنن الكون ولم يأخذ بالأسباب؟

خامسًا: هذا ليس أمرًا جديدًا، بل هو مذكور حتى في قصص الأنبياء. يوسف عليه السلام، لما علمه الله بتأويل الرؤيا، خطط لمجاعة سبع سنين، فأدار اقتصاد مصر بحكمة، وخزّن الأقوات، فأنقذ الملايين من الهلاك. هذه هي وظيفة العقل البشري الذي أراده الله: أن يكون أداة إنقاذ لا أداة اعتراض.

سادسًا: الكوارث في ميزان الفلسفة والقرآن تحمل أبعادًا أعمق:

تذكير للإنسان بضعفه مهما بلغ من العلم.

تربية للمجتمعات على التعاون والتكافل.

غربلة للبشر: فالمحن تكشف معادن الناس، هل يقفون مع بعضهم أم يتخلون؟

امتحان للإيمان: هل نثق بحكمة الله رغم الألم، أم نُسارع لاتهامه بالظلم؟

إن وجود الألم لا ينفي وجود الرحمة، بل يُبرزها: فكما أن الجراح يُحدث ألمًا ليُنقذ حياة المريض، كذلك الابتلاءات فيها منافع قد لا ندركها عند وقوعها، لكننا ندرك آثارها بعد زمن.

فيا علي، وجود الكوارث لا يدل على غياب الخالق، بل على وجوده وحكمته. لأن الكون بلا قوانين ثابتة ولا سنن، لكان عبثًا. والعبث هو نقيض الحكمة، بينما وجود هذه السنن الثابتة التي يمكن دراستها واستثمارها دليل على أن هناك عقلًا أعظم وراءها، أراد للإنسان أن يتعلم ويختبر مسؤوليته.