صباح هذا اليوم وانا اسير في الطريق عائداً إلى بيتي احمل معي مقاضي كنت اتحدث مع نفسي واتبادل معها اطراف الحديث ووجهات النظر حول موضوع "نظرية المؤامرة" لاننا معاشر العرب اصبحنا نربط كل واقعة لا تستوعبها عقولنا ب(المؤامرة )و(امر قضي بليل ) وهذا هو النهج الذي نتبعه هذه الأيام مع كل الاحداث والظواهر التي لا نجد لها تفسيراً ......

وخطر على بالي فرعون عندما كان يتابع المواجهة الحاسمة بين موسى عليه السلام والسحرة.... 

تخيلته يجلس على كرسي والحرس يحيطون به وتحته مباشرة موسى عليه السلام والسحرة وجماهير غفيرة من الناس حشروهم ليشهدوا هذه المواجهة والتي كان فرعون يتوقع ان تنتهي لصالح السحرة ولهذا حشر لها الناس بالقوة حتى يثبت لهم بان موسى ما هو إلا ساحر...... 

وحصل مالم يكن في الحسبان فبعد ان القى موسى عصاه تفأجاء فرعون والحشود الغفيرة بالسحرة يسجدون وهم يرددون : آمنا برب العالمين ومن دون حتى ان يتشاوروا بينهم او يستأذنوا من فرعون ويشرحوا له حقيقة ما جرى..... 

وقف فرعون مذهولاً والتف حوله الجنود وأخذ يصيح ويصرخ ويتوعد وهو في قمة غضبه :

آمنتم به قبل أن آذن لكم ...

إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ....

لاقطعن إيديكم وأرجلكم من خلاف.....

الشاهد في قوله : "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة"....

يعني مؤامرة ....

فقلت لنفسي : إذن فرعون أول من عمل بنظرية المؤامرة واسقط هذا التوصيف على واقعة لم تكن مؤامرة ولا ذكاء اصطناعي ولا فوتشوب وإنما كانت معجزة ادركها السحرة بعلمهم وعجز عن ادراكها فرعون لجهله وشدة غبآه فنسبها إلى المؤامرة...... 

ثم خطرت على بالي خاطرة جديدة والفكرة تاتي بالفكرة.... 

قلت في نفسي لو أن فرعون الطاغية الذي كان يذبّح الاطفال ويستحيي النساء مجرد إنسان عادي لا يملك سلطة ولا جنود ولا نفوذ هل كانت حقيقته ووحشيته ودمويته ستظهر للناس ؟ 

ام سيعيش كمواطن صالح وعندما يموت ويدفنونه سيقولون عنه : كان متواضعاً وطيب القلب ومسكين ؟ 

ثم سألت نفسي : هل كل إنسان إذا وصل إلى السلطة والتف حوله الجنود سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل؟ 

فقالت لي نفسي : لا ، فهناك بشر وصلوا إلى السلطة والتفت حولهم الملايين ومع ذلك لم يسفكوا دماً حراماً إلا بحق....

ولم ينتهكوا عرض أحد مع قدرتهم على ذلك..... 

ولم يستولوا على اموال الناس بغير وجه حق.... 

قلت بعدها لنفسي : السلطة إذن كشفت لنا سراً كامناً في الناس لم نكن لنعرفه لولاها.... 

هناك بشر عندهم قابلية للشر والظلم والطغيان وهو كامن فيهم كمون النار في الحجر يظهر إذا تهيأت له الظروف والأسباب أو يضل كامن ويُدفن معهم إذا انتهت فترة صلاحيتهم وخرجوا من معادلة الحياة... 

وهناك أناس فيهم خير ورحمة وعدل وايضاً يضل كامن فيهم ويظهر إذا تهيأت ظروفه او يُدفن معهم ......

ثم تذكرت مسألة الجنة والنار والشقي والسعيد فقلت لنفسي الأن وجدت سبب مقنع للنار وعذاب الآخرة..... 

هناك ناس شياطين في الاساس من طراز فرعون نحن لا نعلمهم لكن الله يعلمهم ولا يظلم ربك أحدا.... 

بعد ذلك سألت نفسي وقلت لها : اجيبيني بصدق لو حصلتي على سلطة وملكاً عظيما والتفّت حولكِ الجنود والجيوش هل ستكونين كفرعون او كسليمان عليه السلام؟ 

قالت لي نفسي ومن دون تفكير : أعوذ بالله من فرعون ومن على شاكلتة انا سافعل العكس تماماً :

قلت لها : وماذا ستفعلين ؟

قالت :

اولاً : سأنصر المظلومين وساعيد لهم حقوقهم واعتبارهم... 

ثانياً : ساساوي بين الناس وسالغي كل الفوارق وكل الامتيازات ولن اسمح لاحد بان يتفاخر على أحد لا بنسبه ولا بماله ولا بجماله وسأبطش بكل من يحاول ان يكسر هذه المساواة..... 

ولن أسمح لاحد بان يلقب نفسه سيد او شريف او حبيب كائناً من كان فالسيد هو الله وكل البشر عبيده. 

ثالثاً : سأتخذ الفقر عدواً وسأُحارِبُه ، وسأقف إلى جانب الفقراء والمساكين وسابحث عنهم وسأفتح لهم المشاريع التي تتناسب مع قدرات كل واحد منهم وسأغدق عليهم في الرواتب حتى اجعلهم ينسون تماماً أن هناك شي في العالم اسمه الفقر... 

رابعاً : سافتح المستشفيات والمراكز الصحية في كل مكان وسيكون كل شي فيها مجاني من الألف إلى الياء.... 

خامساً : ساقوم بتشكيل شرطة من الاطفال النابهين اضع على عاتقهم مسؤولية توفير الحماية للأطفال حتى لا يتغول أحد على أحد فالأطفال مثل حيوانات الغابة القوي يأكل الضعيف ولكن هذه الشرطة ستكون بمثابة صمام امان لهم وستكون هذه الشرط تحت اشراف نخبة من المواطنين الخيرين...

سادساً : سازوج كل الشباب وكل البنات وعلى نفقة خزينة الدولة او المملكة ولن أسمح لأحد بان يبقى بدون زواج حتى لو اضطررت لتفعيل قوله تعالى : مثنى وثلاث ورباع.....

قاطعت نفسي قائلاً : يا نفس إن للسلطة نشوة تعبث بالرؤوس... 

قالت لي : لست منهم... 

ثم فتحت باب البيت واستيقظت من السرحان.