تخبرنا الفلسفة أن التعبير يكون لفظي رمزي، فما هي الطريقة الأفضل في التعبير عن أنفسنا بالكتابة أم التحدث؟

أعتقد أن هذا الأمر يعتمد على السياق والغرض من التعبير، فأرى أن الكتابة والتحدث كلاهما يحملان قيمتهما وأهميتهما الخاصة بها، ولكل منهما ميزاته وعيوبه التي يجب أن ننظر إليها بتوازن، فعندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الأفكار والمشاعر بشكل عميق ومركز، قد يكون التحدث هو الخيار الأفضل، فالتحدث يسمح بالتفاعل المباشر مع الآخرين، ويتيح الفرصة للتعبير بمرونة وإظهار التفاعل اللفظي الذي يمكن أن يساعد في توضيح الأفكار بشكل أفضل وفهمها بشكل أعمق.

أما الكتابة توفر وسيلة للتعبير تحتوي على تأمل وتدقيق أكبر، حيث يمكن للكاتب أن يختار كلماته بعناية وينسقها بشكل دقيق لتعبر بوضوح عما يريد، كما أنها تسمح بتوثيق الأفكار والمشاعر بشكل دائم، مما يجعلها أداة قوية لنقل المعرفة والتواصل عبر الزمن.

بالنسبة لي ومنذ طفولتي أفضل التعبير عن نفسي من خلال الكتابة بل إنني لا أطيق الاختبارات الشفوية وربما كان ذلك يعود لطبيعتي الخجولة نوعًا ما وتوتري في كثير من الأحيان حتى أنني كنت أميل لتدوين مذكراتي اليومية للتعبير عما يجول في نفسي من أفراح أو آلام بينما كنت أشاهد الكثير من أصدقائي يبرعون في التحدث والاختبارات لكنهم يفشلون في امتحاناتهم الكتابية وإلى الآن أجد نفسي في الكتابة وأشعر أنها ملعبي الذي أبرع فيه.

هناك أشخاص يجيدون النوعين من التعبير عن أنفسهم والاختلاف لا يكون في طريقة التعبير ولكنه يكون في الطرف الآخر المستمع أو المتلقي فهناك أشخاص يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم لفظيا وبطلاقه أمام أشخاص بأعينهم في حين لا يمكنهم ذلك أمام أشخاص آخرين ويصابون بالتلعثم والضيق وعدم القدرة على الكلام والتعبير ويفضلون لو عبروا عن أنفسهم كتابة بدلا من ذلك، فالأمر يعتمد على متلقي الرسالة على الأرجح.

وأيضا أغلب المحتوى الآن أصبح مرئيا وسمعيا وقل الاهتمام بالمادة المكتوبة وقد تجد مقدم المحتوى المرئي نفسه لو حاول صياغة ما يريده في مقالة مكتوبة فلن تكون بنفس قدرته عن التعبير بالتحدث.

أعتقد أن هذا جزء أساسي من الكتابة، وجزء آخر مهم في وجهة نظري، وهو توجه العديد من الكتاب للكتابة باللغة العامية التي يفهمها الجمهور، وأنا اتفهم ذلك ولكن في نفس الوقت هناك جانب سلبي وهو تعود الناس على القراءة والكتابة بنفس الأسلوب، وهذا عائق كبير مثلًا لمن يحاول الدخول لمجال الكتابة بشكل صريح، لأن أول ما سيواجهه هو عائق اللغة، كيف سيسترسل بالكلام، كيف سيعبر عن نفسه وعن أفكاره، كيف سيفكر بالفصحى في الأساس، فعادة المفردات اللغوية تحتاج لقراءة أدبية ومطالعة مستمرة، ومن تجربتي الشخصية، في البداية كانت اللغة عائق كبير بالنسبة لي للأسباب التي ذكرتها لك، أما الآن وبعد مرور فترة طويلة أجد نفسي لدي قدرة جيدة عن التعبير بالفصحى عما أريده، بالطبع انا لا استخدم الاسلوب البلاغي والتعبيرات الجمالية ولكني في مرحلة جيدة في التعبير عما أريده بشكل صحيح.

وعادة أنا أفضل التحدث عن الكتابة لأني أجيد التعبير أكثر عن آرائي وافكاري من خلالها، كما أنها تتيج لي فرصة التناقش بشكل تفاعلي وحيوي، وفي نفس الوقت التحدث مع الآخرين يضيف لي من ناحية صقل مهارة التفكير النقدي، على عكس الكتابة فقط، فأنا أعبر عن افكاري الآن فقط، وبعد حين أحصل على ردود أفعال ولكن لا استطيع التفاعل معها بنفس أسلوبي في الحديث.

كل من الكتابة والحديث هو نوع من الترميز ، كما يقول ارنست كاسيرر الإنسان كائن رمزي ، كل ما في حياته ونظمه هي عالم من الرمزية التي تعمل كنسق واحد لبناء معنى.

فمهما أختلف طريقة التعبير، رقص، غناء، رسم، كتابة، كلام شفهي...الخ، كلها ترميزات تختلف في الشكل وتتفق في امكانية صنع المعنى.

انصح بقراءة ارنست كاسيرر في كتابين هامين جدا، اللغة والأسطورة والدولة الأسطورة، سأرفق الغلافين في الأسفل لكي يسهل العثور عليهما:

إن التعبير عن الأفكار هو أحد أهم المهارات التي يمتلكها الإنسان، ونستخدمها في مختلف جوانب حياتنا.

بالنسبة لي أنا أميل للكتابة لكونها أداة قوية للتعبير عن الأفكار المعقدة بشكل دقيق وواضح وتسمح بمراجعة الأفكار وتعديلها قبل مشاركتها، رغم أنها صعبة بالنسبة للأشخاص الذين لا تسفعهم اللغة للتعبير عما يجيش بداخلهم .

بنهاية الأمر لا توجد طريقة واحدة أفضل للتعبير عن الأفكار لأن اختيار طريقة التعبير تعتمد أفضل طريقة على السياق والشخص.