للفلسفة حضور طاغ برعب في كل الأشياء، قوتها تكمن في أنها تتعمق بشكل مخيف جدا في كنه الأشياء متوسلة الوصول إلى المبدأ الأصيل للشيء، حينما يتفلسف المرء يرتفع ويتسامى وينمحي وجوده الفيزيقي تماما كما يقع في أنماط التأمل الأخرى كالترفع الصوفي مثلا؛ فالصوفي الذي يسمي نفسه محققا يؤمن بقضيته حد الهوس كما يؤمن محقق شرطة بحل لغز قضية تحقيق لدرجة أنه تسكنه في يقظته و لاشعوره..

هذا العمق المرعب الذي تقود إليه الفلسفة منحها مسكنا جليلا في كل الأشياء التي أبدعها الإنسان، فالتأمل فقط في أروع ما اخترعته الإنسانية و هو الأنترنت وكيف هُندست هذه الشبكة، وكيف يمكن رسم بحرية ما تريد في هذه المصفوفة بلغات برمجة وسكريبتات كما يهندس الفيلسوف مفاهيمه في صرحه الفلسفي أمر يدعو لوقفة تأمل طويلة، لكي يتبين أن للفلسفة حضور في هذا المنجز البشري العملاق.

وحينما يصل المتفلسف إلى التجريد فإن العامة لا تفهمه لأنها ما زالت في وحل المألوف والعادة واليومي المتكرر ومشتتات من العالم المادي، لهذا كانت أغلب المدارس الفلسفية سرية و تستقطب نخبة الناس لأن التجريد ليس الكل يدركه؛ والتجريد كما أعيشه يمكن أن أصفه بأنه حديقة سرية...