لعل واحدة من أجمل وأكثر الوصايا الفلسفية عنفا وحدّة يمكن أن يحملها الفكر البشري هي عبارة " أخنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" وعلى ما يبدو من هذه العبارة من دموية وقسوة وقرفاً على قدر ما هي عبارة شجاعة وعميقة جدا، عبارة باطلة أُريد بها حق، ولعل قرفها ودمويتها هو سبب ما وصلت إليه أوروبا اليوم من تقدم وتحكم، فهي أساس الأنوار الأوربية وصرخة الحق التي دللت النصر على قرون الظلمة وسطوة الكنيسة واستبداد الملوك فيها، لكن غرضنا هنا ليس عرض هذه المقولة بقدر محاولة الاستفادة منها أو على الأقل فهمها وتقريبها ، فكيف نطبق هذه المقولة على واقعنا الثقافي اليوم؟
اسمح لي عزيزي القارئ أن أسبق خيالك، بطرحي الغريب ربما، وآخذك الى منطقة أقل قرفا لكنها ليست أقل قبحا بلا شك ، وهي منطقة التفاهة والسذاجة في علاقتها بالمصلحة ، وأسأل عن كيف نتخلص من المستغلين والمصلحيين بضربهم بالتافهين والسذج، فنتخلص من الأثنين بضربة واحدة، فالمستغلين يقتاتون على جهل التافهين ويبنون من وراءهم سلطة وقوة زائفة يتحكمون بها في زمام الأمور ويحركون عجلة الثقافة والعلم نحو الهلاك .
فكيف نخنق آخر مستغل بأمعاء آخر تافه؟
بحسب قراءتي ، تعد التفاهة صناعة حديثة وهي تختلف عن الغباء والرجعية والتخلف ، فالتافهون أكثر الكائنات خطرا على الحرية والتقدم والعلم نفسه، ولا أقول الأغبياء لأن للأغبياء حقهم في الغباء الطبيعي الذي لم يختاروه لأنفسهم ولا سلطة في ذلك ، لكن لا عزاء للتافهين على أنفسهم في شيء إختاروه بدون اكراه او إجبار، فقد اختاروا بأيديهم او بعقولهم أن يكونوا سفهاء وتافهين، وأي كان نوع تفاهتهم وسببه لا مجال للغفرانه.
قبل سنوات صرح الفيلسوف المضحك سلافوي جيجك بأن الإنسانية بخير لكن 99 بالمئة من الناس حمقى ومملون، وسيأتي بعدها الان دونو في كتابه نظام التفاهة ليأكد أن 99 بالمئة هم بالفعل تافهون، بسبب تلك الحلقة الدائرية التي تبدأ من خطابات التفاهة التي تنتجها السلطة والاكاديميا وتنتقل إلى كافة المجالات لعيد الافراد انتاجها من جديد في حلقة لا متناهية، وهي الفكرة التي نجد بذورها عند فوكو في جدلية السلطة والمعرفة، بأن أي خطاب مهيمن هو خطاب تخلقه سلطة معينة ليصبح نمط معرفة تحكم به موازين القوة .
في رأيك: كيف تتواطئ التفاهة مع المصلحة ؟ وكيف نتخلص من المستغلين الذين يخلقون خطابات التفاهة لكي يتحكموا بها ؟ هل يكفي الوعي للتغلب على التفاهة؟
التعليقات