" لا يوجد نص فلسفي كتب أربع مرات على يد أربعة فلاسفة مختلفين، مثل قصة (حي بن يقظان)، أحيانا يتغير العنوان، لكن المضمون واحد."

فهي مع أصلها اليوناني "سلامان وأبسال" قصة رمزية لإبن سينا، ومن بعده شهاب الدين السهروردي، وابن الطفيل، وابن النفيس، وهذا الأخير أعاد كتابتها تحت مسمَّى "فاضل بن ناطق".

ومن بين الأربعة فلاسفة نجد أن نسخة ابن طفيل هي الأبرز والأوضح في رمزيتها؛ حيث وضع ابن طفيل في هذه القصة آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والنقل أو بين الفلسفة والدين في قالب روائي قصصي، حيث تمثل القصة العقل الإنساني الذي يغمره النور الإلهي، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل.

ويتلخص مضمون القصة في أن شخص يُدعى حي بن يقظان، نشأ وحيدًا في جزيرة خالية من السكان تقع في الهند، وقد ولد طفلًا غير شرعي لأبويين تزوجا دون علم الملك، ولما وضعته أمه تركته في قارب صغير استقر على ضفاف الجزيرة، حيث عثرت عليه صبية كانت قد أضاعت وليدها، فاعتنت به وأرضعته حتى اشتد عوده، نشأ حي في الجزيرة بين الحيوانات، وقد شب بذهن متقد ومهارة متوهجة، فراح يتأمل ما حوله من موجودات طبيعية؛ حتى توصل لحتمية وجود موجد أو خالق واحد لتلك الموجودات، واستمر في تأملاته حتى تقابل مع الزاهد "آسال" الذي لجأ للعزلة على نفس الجزيرة، وأكد آسال لحي على صحة تأملاته الذاتية، وأنها نفس ما جاء به الأنبياء والوحي" وهو ما لم يسمع به حي من قبل"!

وبذلك تؤكد قصة حي بن يقظان على أهمية "التجربة الذاتية" في الخبرة الفكرية والدينية. وإيضاح كيفية الوصول إلى الحقيقة بالعقل الخالص الطبيعي الذي يتأمل الظواهر من حوله دون الاعتماد على مساعدة خارجية.

برأيكم هل مازالت فطرتنا تستطيع الوصول للحق بالتأمل الذاتي، دون معين؟

وهل أنتم من أنصار التوفيق ما بين العقل والنقل؟