“الأحلام هي رسوم توضيحية من الكتاب الذي تكتب فيه روحك عنك”

هكذا عبر الطبيب والمفكر ،ومؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد عن الأحلام في كتابه الشهير المُصدر عام ١٨٩٩ (تفسير الأحلام).

فماهي الأحلام ؟! وهل هي مجرد خيالات أم هي محاولةٌ يدس فيها اللاوعي رسائله في وعينا؟ولو كانت الأحلام مجرد خيالات، فما الذي يجعل حلمًا معينًا يتكرر باستمرار؟

يقول محمدٌ النبي: أن الرؤيا الصادقة هي جزءٌ من خمسين جزءًا من أجزاء النبوة، ويستدرك في قولٍ آخر أن أحلام الناس ثلاثة أنواع: البشرى من الله، وهي وحدها الرؤيا الصادقة، التحزين والتخويف، ومصدرها الشيطان، وحديث النفس للنفس. وفي قولٍ ثالث يحذّر من لعب به الشيطان في منامه فلا يحدّث به الناس.

في تفسيره لنهاية الآية رقم٤٣ من سورة يوسف {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، يرى ابن عربي في الرؤى عبورًا إلى عالم الروح والحقيقة، هذه المعاني في طريقها إلينا أصبحت ((في حضرة الخيال))، فاتخذت أشكالًا ماديّة محسوسة، لأشياء وأناس وأحداث، ليراها النائم وكأنه يدركها بحواسه، وفي الرحلة المعاكسة لتجاوز الخيال، يتم الاستعانة بالتأويل لتجاوز الأشكال إلى المعاني، الخيال في الحلم هو هنا جسر أو طريق يقطعه معنا الحلم ذهابًا، ونقطعه معه إيابًا لو كنا مِن مَن أوتينا التفسير.

تفسير فريد للأحلام رحلةٌ في حضرة الخيال كذلك، رحلة تخيّل المادة الأولية للعالم، صورة الأشياء بعد أن فككت علاقاتها المعتادة المألوفة، وصارت حرّة التشكل.

قد يصل الوعي في مراحل عمريةٍ معينة -وغالبًا في مرحلة الطفولة-، إلى تخمة من الأحداث المحيطة، تجعله يعاني من عسرٍ في هضمها، فيزجها متداركًا لتلتقفها أغوار اللاوعي، وتبقى هناك متملصةً من الرقابة المفروضة عليها من قبل الوعي، ولكنها لا تختفي،فما أن يغيب عن جولاته الترصدية، حتى تُجترَّ هذه الأحداث والذكريات عائدةً إلى السطح على شكل من أشكالها، وهو الحلم.

تأتي الأحلام-وهي حالةٌ فردية- متنكرةً بضيغةٍ رمزية من الحاضر-ماتراه ولو بصورةٍ خاطفةٍ في يومك-تشير فيها على ما برَك العالم المادي فوقه من المكبوت والمقموع الغائر في اللاوعي، لتبلغنا بمشاكل نفسية نعانيها،رغبات نكون أقل شجاعةً من عرضها صريحةً أمام إدراكنا، أو عرضًا لتلك الأفكار البغيضة التي نهرب منها إلى الفراش، لنراحها تبتسم بسخريةٍ على ناصية الحلم.

هذا العالم المنسوج من عقولنا لا يقبل العشوائيات، إذ أن كل تفصيلةٍ عابثةٍ فيه، مهما كانت صغيرة-كلون السماء مثلًا-تعد دلالةً مهمةً في التفسير.

وإذا أردت أن تتذكر أحلامك، يقول الفيلسوف الألماني والتر بنيامين أنه عليك -وقبل تناول الطعام أو ممارسة النشاطات الرياضية- أن تمارس طقسًا أو صلاة، أنشطةً تنتمي إلى الخيال أو تناجي عوالم أخرى، ربما نجح ذلك في أن يبطل محاولات الوعي في استلام زمام الأمور، وتدارك انفلات الإدراك منه، حتى يصل ما حدث هناك في المنام إلى الذاكرة سالمًا.

قد يكون فرويد أغفل في نظريته عن الأحلام أنها ليست فقط بلاغًا مرمّزًا، بل هي نشاطٌ جمالي أيضًا، إذ يرى جان بول سارتر أن علاقة الوعي بالأحلام، هي علاقة افتتان، وهذا الافتتان منبعه أننا لا نشعر بقلقل الوجود أمام إمكانياته وحريّته في الاختبار، الأحلام تسلب ((الوجود الحر)) منا، وتجعل من ذواتنا أحيانًا موضوعاتٍ نشاهدها، حيث تكمن هناك ذاكرتنا الحرّة، و التي تهرب منا عندما تعود بنا اليقظة إلى الوعي، ربما تنفلت تمامًا، وربما ينفلت بعضها، ويبقى الآخر جزءًا من ذاكرتنا المملوكة ليثير شهيتنا.

ما هو آخر حلمٍ راودك؟! وهل تلجأ إلى تفسير أحلامك؟! إن كانت الإجابة (نعم) ،كيف تفسرها؟