قبل مدة ليست بالطويلة عدت إلى روتين العمل، ومن عادتي ألّا أخذ الزي برفقتي إلى المنزل، وألجأ إلى وضعه في أحد الخزائن داخل مقر العمل، ربما تكون محاولة مني لقطع أي صلة بين عملي وحياتي الشخصية، بل وإنني أستخدم رقم هاتف مختلف عند أخذي لإجازة. قد أبدو غريبا، لكنها مجموعة من التراكمات التي ولّدت الشخص الذي أنا عليه.

بالعودة إلى بداية الحديث؛ عدت، و كان الانتقال من مقر سكن العمال إلى هناك يستغرق أكثر من عشر دقائق بالحافلة، ويمكن القول أنه لا توجد وسيلة أخرى غيرها تنقلنا إلى ذلك المكان الذي لا يوجد فيه غيرنا.

قبلها بيوم وصلت متعبا من السفر لاستيقظ متأخرا، حضّرت نفسي. تناولت الفطور وتوجهت إلى الحافلة، وعندما بلغت وجهتي لاحظت متأخرا أنّني نسيت مفتاح الخزانة. هل أعود مع الحافلة وأرجع وقت الغداء؟ ومن عادة الحافلة أن تتردد علينا أربعة مرات يوميا، والخيار الثاني أن أواصل العمل بزيي المدني وهذا غير وارد أيضا، أسئلة راوتتني باحثة عن إجابة. قررت البقاء، وتركت الحافلة تغادر.

فكرت في كسر القفل، وقد كنت أمتلك قفلا إضافيا لحالات الطواريء، ما يضمن لي استبداله. عندها توجهت لحقيبة الأدوات وأحضرت المعدات اللّازمة للقيام بهاته العملية، ولم أسلم من تأنيب الضمير الذي أصرّ على عتابي بسبب آفة النسيان، وأن مثل هاته الظاهرة مؤخرا، بدأت تتكرر كثيرا . وقبل أن أباشر، لاحظت أنّ مفاصل الباب غير مؤمنة نسبيا، فأحضرت مفكا ومطرقة وشرعت أطرق حتى تفكك الأول ثم أتبعته بالثالي ، سقط الباب، وتمّت المهمّة.

قصة لم تكن لِتُحكى من الأساس لولا خطأ بسيط، لاحظني أحد العمال القدامى وأنا أقوم بعملية نظيفة من فك باب الخزانة وإعادته دون أثر، ليقول لي مازحا، إذا إختفى شيء من أحد الخزائن سنعرف فيمن نشك.