رحلة ال ٦٠ ٪

الورقة التحليلية الاولي

هناك شيء غريب عن الإنسان، شيء دائمًا جزئي، دائمًا محدود: معرفتنا بأنفسنا.

كل ما نعيشه، كل تجربة نمر بها، كل اكتشاف نصادفه، يضيف إلى وعينا جزءا من الحقيقة، لكن الحقيقة الكاملة تظل جزءا مجهولًا، 40٪ دائمًا خارج إدراكنا.

في هذه الرحلة، أحاول أن أفهم الـ60٪ التي أعرفها عن نفسي: كيف شكلتني ماضيّ، كيف أثرت فيّ التجارب، وما الذي اكتشفته عن نفسي، وما قررته في حياتي.

كل ورقة، كل فكرة، كل تأمل، هي محاولة للتعامل مع هذا الجزئي، مع هذا الغموض، مع الحدود التي خلقت للتأمل والسعي.

هذه ليست نصائح للآخرين، وليست خطوات جاهزة للحياة هذه مجرد مساحة صافية بيني وبين نفسي، لأرصد، لأحلل، لأفكر، لأتساءل، لأكون صادقًا مع ذاتي في رحلتي مع الـ60٪.

اليوم : الاحد

التاريخ: 19 اكتوبر 2025

الحدث:

"كنت بتكلم مع نفسي عن "نوع الاثر" اللي بسيبه في الدنيا, والكلام جرني لوجهة نظري اللي كنت بقولها في نقاشاتي مع الناس.

واللي فعلا مش قادر افتكر هي وجهة النظر دي جاتلي منين وامتي وكنت فين وازي بدأت, لدرجة انها تبقي جملة ثابتة بقولها في معظم نقاشاتي مع الناس.

الجملة اللي دايما بترن في ودني كل فترة وهي: " الانسان وهو بيموت مش هيكون عارف عن نفسه غير 60 % ", بمعني

خد بالك انا بكلمك دلوقتي من لحظة الوادع, لحظة توديع الانسان للحياة, في وقت ما هيكون الانسان بيفارق الدنيا ويقابل وجه ربه الكريم.

مش هيكون عارف عن نفسه/ ذاته وحياته ودنيته ودينه والعالم بتاعه مهما عاش واتعلم واتغير, غير النسبة دي وهيفضل في 40% منه مجهول بالنسبة له طول ما هو عايش, في مختلف مراحل حياته, بل الغريب إن ال 60% دول بيتغيروا مع كل بداية جديدة."

السؤال: الحدث ده لفت انتباهي لحاجة وهي اولهم: هو ليه 60% بالذات؟, ليه مش اي رقم تاني؟

الاستنتاجات والاجابة القابلة للتطور بمرور الزمن وكل ما الانسان يعيش اكتر ويفكر اعمق:

*التحليل ده رمزي, مش دقيق علميا, لكنه وسيلة لفهم الذات والتعمق فيما تفكر فيه.

1- احنا مراحل:

" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون: (12-14)

زي ما الانسان اتخلق علي مراحل, بيتكون في رحم أمه علي مراحل, ويعيش عمره كله في مراحل من الطفولة, للمدرسة, للجامعة, للجيش, للشغل, للجواز, للأبوة, لاسرة وعائلة كبيرة, للعجز, وزي ما هيموت علي مراحل, ده لفت انتباهي لحاجة وهي: هو ايه في حياتنا مش مراحل؟

كل مرحلة ليها قدر ثابت من المعرفة عن الذات- جزء لا يتغير بسهولة, بيتكون من الماضي , من الذكريات, اتربي ازي وفين وامتي ومين اللي راباه ومع مين والناس اللي اثرت فيه, كل تجربة خاضها واتعلم منها وطلع منها بدروس واكتشافات وقرارات ومبادئ ثابتة, خليني اقول ان كل حاجات حصلت في الماضي هي اللي بتشكل النسبة دي , ودي اسميها نسبة المعرفة الثابتة, وأرمز لها ب 20%.

2- احنا تجارب:

وهنا لازم اقول اهم مقولة ومبدأ في الحياة بالنسبالي هو : "مش يمكن لما اجرب ...اطلع بعرف".

يمكن عدد كلمات المقولة دي قليل, يمكن عدد حروفها قليل, يمكن المعني مش مفهوم لبعض الناس, لكن اللي متاكد منه انها تحمل سر الوجود الانساني كله وان في ناس كتيرة وهي بتقرا المقولة دي ضحكت, وافتكرت قد ايه كانت خايفة وكانت قلقانة ومترددة قبل ما تجرب حاجة بتدور في عقلها وقلبها, ولكن اتفاجئت بالنتيجة وطلعت بتعرف.

ومن المنطلق ده في نسبة التجارب غير الاكيدة, ليه غير اكيدة؟ ده لان الانسان بيكون خايف وشعور الخوف والقلق والتشتت واخد اكبر من نسبته/حجمه في مشاعره, بمعني الانسان لما بيعمل توقعات وسيناريوهات في دماغه بيبدا يحس بقلق وخوف من تجربة معينة, من كلام مع حد كبير مثلا, من قرار خايف ياخده لسبب مش حقيقي وغير واقعي, لحاجات تانية كتير, بس مجرد ما قرر او اتحط في التجربة دي اتعلم حاجات كتير يمكن يكون اتعلم فعلا او ممكن يكون بيتدعي التعلم ده وهو مش مستوعب ولا اتعلم حاجة حقيقيقة ويمكن يكون متعلمش اصلا, كل شي وارد وعشان كده اسميها نسبة التجارب غير الأكيدة وأرمز لها ب 20%.

3- احنا اكتشافات:

ما بعد التجارب, بيجي دور الملاحظة والاكتشاف, بمعني كل تجربة مهما كانت حجمها واسبابها ونتائجها لها اهمية لا يدركه الا من يخوضها بكل جوانبها, فيبدا الاسنان بملاحظة تغيرات علي مستواه الشخصي او المهني او الجانب الذي يعمل التجربة به/فيه, فيدرك انه فعلا اتعلم واكتشف حاجة جديدة عن نفسه لا وكمان يطور من نفسه وثباته ويطمح انه يجرب ويكتشف اكتشافات عن نفسه/ذاته او عن حياته اوعلم بيتعلمه ودي نسبة الاكتشافات وأرمز لها ب 10%.

4- احنا قرارات:

بعد ما مريت بمرحلة التجربة والاكتشاف, بيجي وقت القرار.

كل مرحلة في حياتك بتحتاج منك اختيار : ازي هتعيشها؟ ب أنهي قيم ومبادئ ؟ بناءا علي النسب اللي كانت عندك النسبة الثابتة, ونسبة التجارب الغير الاكيدة, ونسبة الاكتشافات وهي دي اسميها نسبة القرارات وأرمز لها ب 10%.

وبكده, تكمل ال 60%.

اللي عرفهم الانسان عن نفسه وعن تجاربه الجديدة وعن اكتشافاته وعن القرارات والمبادئ اللي حطاه عشان يستخدمها في المرحلة اللي جاية.

فاضل النسبة المجهولة واللي هرمز لها بنسبة 40 % واللي بقول ان النسبة دي ديما ثابتة في كل مراحل الانسان وليه ؟

1- لازم تكون فاهم ان الانسان محدود, وان في حاجات ربنا مخبيها عنه عشان يفضل يسعي ويبحث ويتطور.

عشان لو الانسان كان عرف كل حاجة, مكنش هيحس بمعني الاكتشاف ولا الرحلة ولا التجارب والقرارات والمراحل.

كان هيعيش حياة ثابتة مفيهاش فضول ولا تساؤلات ولا دهشة, ربنا خلق فينا العقل والروح الفضول عشان نفضل نتحرك وندور ونغلط ونتعلم, نكتشف نفسنا وعشان ربنا بيحب يشوف عبده وهو بيسعي ده لان السعي نفسه عبادة مش بس نتيجة وكل مره بتكتشف حاجة جديدة عن نفسك او عن الحياة, بتقرب خطوة اكتر منه من الحقيقة من الحق.

"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى" النجم: (39-40)

2- إن ربنا خلق فينا محدودية في العلم، مش تقليل مننا، لكن رحمة بينا.

لأن لو الإنسان عرف كل حاجة، هيغيب عنه معنى الإيمان، وهيفقد شعور الاعتماد على ربنا، وهيتولد فيه نوع من الغرور.

فالجهل النسبي اللي جوانا مش نقص، ده اتزان رباني.

"وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" الاسراء: 85

الخلاصة:

عشان ربنا هو العليم بكل شي وان الكمال لله وحده, ف عشان كده انا مش بدور علي ال 40% الباقين, لا انا راضي انهم موجودين عشان افضل اسعي وادور واكتشف واكمل رحلتي وراضي اني مش كامل ولا مثالي.

النسب اللي قولتها دي مجرد ارقام مش قوانين, اي حد يقدر يحط النسب اللي هو مقتنع بيها, ولكن السبب الحقيقي اللي خلاني اقول 60% و 40% هو ان عقلي بيرتاح لما يلاقي الحاجة مرتبة, لما يلاقي الحاجة في شكل ارقام هو حاططها وفاهم معانيها والقصد منها وعارف ان في نسبة عمري ما هعرفها ولا اقدر اتوقعها لانه جزء من مرجعي الديني ومعقتدي وهو الاسلام وهو الايمان بالغيب.

الانسان مش محتاج يعرف كل العلوم عشان يعيش, الانسان محتاج يعرف بس انه في رحلة هيمر لازم يعيشها ولازم يقع ويقوم ويعرف ازي يقف من جديد ويحمد ربنا علي نعمة البدء من جديد بعد اي مرحلة او وقعة نفسية في حياته, صدقني انت اللي بتشكل العالم اللي بترتاح فيه مش هو اللي بيشكلك. وفي النهاية, يمكن السر مش إننا نعرف كل الاجابات.. ولكن في إننا نفضل نسال ونعيش ونتعلم ونقرب من ربنا بخطوة كل يوم.

“ده تحليل شخصي وتأملي مش مبني على بحث علمي محدد، وإنما على فهمي وتجربتي الإنسانية.”

محمد منير

19 اكتوبر 2025