الزجاجة التاسعة

إلي رغد ليليّ:

أتذكرين، يا رغد ، تلك اللحظة التي كاد فيها البحر أن يأخذك؟ ، كنا صغارًا حينها ، حين ركضتِ نحوه بحماسة طفولية ، بلا خوف وكأنكِ كنتِ تريدين أن تحتضني موجاته. لم أدرِ هل كان البحر يغار منكِ، أم أن فضوله أراد أن يعرف سر المحبة التي كنت سأحملها لكِ في  ذلك اليوم.

تلك اللحظة محفورة في ذاكرتي كما لو أنها حدثت بالأمس. رأيتكِ تغيبين فجأة بين الأمواج، وكأن البحر أراد أن يحتفظ بكِ مني ، لم أصرخ ، فقط قفزت خلفك. شعرتُ وقتها أن الموج كان يحاول إبعادي عنكِ  لكنني كنتُ أقاتل بكل قوتي لأستعيدك. وكأن أمواجه كانت تهمس لي: "لن أسمح لك بحبها أكثر مني".

وحين انتشلناكِ أخيرًا من بين يديه، كنتِ ترتجفين، تتشبثين بي كأن العالم كله لا يسع سوى ذراعي. كنتِ صغيرة، خائفة، ولكنني شعرتُ بشيء أكبر من الخوف: شعرتُ بأنني لن أسمح للبحر أو لأي قوة أخرى بأن تأخذك مني.

أفكر هل يغار البحر من حبنا؟ هل يضجر من كلماتي التي أحملها إليه يومًا بعد يوم؟ ربما كان غضبه في طفولتنا مقدمة لما سيأتي لاحقًا ، كلما كتبت إليكِ رسالة وألقيت بها في البحر، أشعر وكأنني أخاطبه مباشرة. أحيانًا أعتقد أن البحر لا يزال يغار منا، وأن رسائلي التي تسكن أمواجه تثير ضيقه. ربما لهذا السبب يحتفظ ببعضها، يخفيها في أعماقه، أو يدفعها بعيدًا عنكِ ليعاقبني.

حتى لو حاول البحر منعي، حتى لو ابتلع رسائلي واحدة تلو الأخرى، سأستمر. لأن حبي لكِ ليس كلمات تُلقى في زجاجة فقط، بل هو موجة قوية، تيار جارف، لا يستطيع البحر أو غيره أن يوقفه.

تذكري دائمًا، يا رغد، أنني سأظل هنا، أقاوم، أكتب، أحبك.

سليمان

٢٦/١١/١٩١١