الزجاجة السادسة:
إلي رغد ليليّ:
أتساءل في كل ليلة عما إن كانت هذه البحار موطني الوحيد ، أو أنني كأولئك المذنبين القدامى ، محكوم بترحيل لا ينتهي.
في عهد القدامى ، كان النفي إلى جزر بعيدة يُعد أقسى عقاب ، يُرسلون الرجال إلى نهايات العالم ، ليعيشوا تحت سماء لا يعرفونها ، ومياه تتربص بهم. كأنهم مجبرون أن يدفعوا ثمن أخطاء الآخرين ، فقط لأنهم وُلدوا تحت نجمة لم تباركهم.
وأنا هنا، أنجرف بعيدًا ، مُحمّلًا بحلم الغنيمة ، والبحر الذي لا يهدأ. رحلاتي كترحيل كسري ؛ أعود كعابر سبيل أتنفس هواء الوطن للحظة ، أراكِ في طيف ضبابيّ على الشاطئ ، ثم تجرفني الأمواج مجددًا نحو المجهول. وكأن روحي موصولة بسلاسل البحر.
كأنما حُكم عليّ بترحيل لا ينتهي؛ كلما حملتني سفينتي إلى أرض جديدة، أشعر بثقل الغربة يضغط على صدري. أتوق إلى تلك اللحظة التي أراكِ فيها، لحظة أستعيد فيها روحي بين ذراعيكِ ، لكن البحر دائمًا ما يبتلع أمانيّ ، يعيدني كالمذنب ، كأنني مدين له بسنوات لم أعشها بعد.
ألقي رسائلكِ في زجاجات طافية، علّها تصل إليكِ ذات يوم، حتى وإن غاصت في قاع المحيط. وأنا هنا، أكتب لكِ بآمالي الضائعة، ألقي بكلماتي في البحر ، لعلها تنجو من الأعماق وتعبر البحار حتى تصل إليكِ.
رغد ، إن لم أعد يومًا ، فاعلمي أنني ما زلت هنا ، بين تلك الأمواج المتلاطمة ، كأنني قد غدوت جزءًا من هذه المياه التي تأخذني منكِ كل يوم. ما زلت أرمي زجاجاتي ، أملاً في أن يعثر عليها من يُخبرك أنني لم أنسكِ ، وأن قلبي يتأرجح بين الموجات ، لا يهدأ حتى يرى عينيكِ يومًا.
يا حبيبة العمر، حبكِ يُرسيني ويأسرني في هذا البحر الذي يسلبني منكِ.
إلى الأبد، عاشقكِ المعذّب".
سيلمان
١٣/١١/١٩١١
التعليقات