بسم الله الرحمن الرحيم

الطعام

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن الجسد يبدو إنَّه عندما يحتاج إلى بعض الفيتامينات والفوائد من الطعام فإنَّه يشتهي تلك الأصناف من الطعام وتلك الأطعمة، مما يجعل صاحب الجسد يتذكرها أو يشتهيها فيبحث عنها ليتناولها، كما ذُكر ذلك في إحدى المقتطفات التي اقتطفناها، إن كنت أذكر ذلك، وعندما يحصل صاحب الجسد على الطعام الذي يشتهيه جسمه فإنَّه غالباً ما سيتناوله مرّات عدَّة حتى يملّ منه، فيكون هنا قد حصل الجسد على كفايته من فوائد ذلك الطعام وفيتاميناته التي كان يُريدها وكان يحتاجها، فيُهمل صاحب الجسد هذا الطعام الجديد والطارئ عليه بسبب انصراف نفسيّته عنه.

والجسد عندما يحب أمراً ما كتناول صنف معيّن من الطعام يجب على صاحب الجسد أن يُنبّه نفسه قائلاً لها: إن الحبّ لوحده لا يكفي، بل يجب أن يصحبه الرضى. 

فإن كان الطعام الذي أحبَّه الجسد أو أحبَّته النفس، هو مما يحبُّه صاحب الجسد ويرضاه، فله أن يتناوله أمّا إن كان حُبّاً صَرفاً لا رضى معه، فقد يكون هذا الطعام من أصل فاسد أي من أصل شيء مُتعفّن أو يكون من مشيمة أو أي شيء آخر تعافه نفس الإنسان ولا ترتضيه، أو يكون مأخوذ من جيفة، فهي مُحرَّمة لدى البعض ولا يرضى بتناولها الإنسان بطبيعته.

وقد يكون الأمر كذلك مع الجسد في الأمور الأخر فإن كان الأمر عن سفرة ما كأن يشتهي الإنسان أن يُسافر إلى مكانٍ ما، فهذا يعني أن الجسد يبحث عن فوائد يمكنه أن يجنيها من السفر، فيجب على المرء حينها أن يُفَكّر إلى أين يُريد أن يُسافر؟ وليس أين هي منازلي الأخرى في الدول الأخرى؟ فقد لا يكون الجسد يُريد أن يسافر إلى الأماكن ذاتها التي سافر إليها من قبل، بل إلى أماكن جديدة فقد يحتاج الجسد إلى بعض المشاعر والانفعالات النادرة كالإندهاش والتعجُّب والحيرة والفضول بمقدار معيّن، وإلى قدر آخر أكبر منها كإسرافٍ طبيعي من الجسد لنفسه ليملىء نفسه بما يُريده وليس فقط بما يحتاجه، فقد يكون يُريد الجسد أن يتشبَّع ببعض المشاعر ليبدأ بتغيير نفسه وشخصيته، وقد لا يحدث ذلك في علم الجسد إن كان الإنسان شحيحاً على نفسه بما يشتهيه ويُريده جسده، فكأن الإنسان بطبيعته لا يعطي نفسه إلّا ما تحتاجه كوقود ليُكمِل مسيرته دون أن يُحاول أن يمتلىء بشيء ما حتّى يتشبَّع منه ويملّ منه فيُكنَز هذا الشيء فيه سواءً كان مشاعر أو انفعالات أو تصرفّات معيّنة فتتحوَّل من معدن إلى معدنٍ آخر بعد اكتنازها، فتتحوَّل المشاعر مثلاً إلى حُبّ وعشق وتحرُّر وتتحوَّل الانفعالات إلى تصرفّات سريعة وحكيمة وبديهية لدى المرء، كدفاع له ضدّ أي شيء طارىء، ويتحوَّل التصرُّف إلى طبيعة جديدة، وكأن الإنسان يشهد ولادة طبيعة جديدة لديه بسبب اكتناز تصرفّات معيّنة ملىء بها نفسه وأشغل بها نفسه، حتى اصبحت شيء طبيعي لديه، ولن يحدث ذلك إلّا إذا سمَح الإنسان للجسد بأن يُسرف بالإمتلاء بأمور الخير والتشبُّع بها كأن يزيد العبد من عبادته حتَّى يُصبِح عابداً، ويزيد المُتصدّق في صدقته حتَّى يُصبح كريماً وما إلى ذلك من أمور. فعندما يسأل المرء نفسه إلى أين يُريد أن يُسافر فعليه أن يُفكّر في الأماكن والدول الأخرى التي لا يعرفها والتي يعرفها وحتّى التي فيها منازله، ثم سيجد نفسه ينسحب رويداً رويداً من كُلّ شيء حتى يصفى على بعض الدول أو بعض الأماكن، فله أن يبحث عن هذه الأماكن أو الدول في الإنترنت فما يزداد اشتياقه إليه أو تزداد رغبته في السفر إليه هو المطلوب ولا ريْب، فله أن يُسافر إليه… هذا والله أعلم والسلام على الأقدم الأقدم.