كعادة كل يوم ، عادت لين بعد الإنتهاء من عملها عن طريق رفيق رحلاتها ، وترجلت منه بسرعة ، وحماس معهود بالفترة الماضية ينبثق من أطرافها ، وخرجت من المحطة المنشودة إلي شوارع القاهرة تتمشي بها

مشيت علي أقدامها حتي توقفت عند إستديو قديم كانت دومًا تأتي بها والدتها إليها ليلتقط لها صورًا مختلفة سواءًا كانت بملابس المدرسة ، وعلي رأسها قبعة تميز المتفوقين ، وكتفها يحمل شارة الشرف ، أو بملابس العيد ، وبرفقة والديها ، وأخيها

دلفت إلي الداخل فوجدت مالكه (الأستاذ: وسيم) قابع علي مكتب الإستقبال ، ومشغول بحاسوبه يعدل بعض الصور الملتقطة

لتبتسم وهي تتقدم نحوه قائلة :

أستاذ وسيم ، كيف الحال؟

ليبادلها هو بدوره إبتسامته مجيبًا : أهلا بكِ يا لين ، كيف الحال يا بُنيتي؟

لتردف ردًا علي سؤاله: بخير أستاذنا

ليؤمي وعلامة الرضا تحتل ملامحه المتقدمة بالعمر ، وباتت ملامح رجل يطعن في سن الستين له تجاعيد تحكي ما مر به ، وخصوصًا جبينه المقتبض دائما من التركيز، أو الغضب لا تعلم أيهما أخلف هذا التجعد

لتخبره عن نيتها في إلتقاط صورة في عمرها هذا علي يديه المحترفة ، متقنة الخبرة من مصور فرنسي عاش، ومات هنا قد أخبرها يوم عنه يومًأ أثار الفضول نظراتها لصورته الكبيرة خلف أريكة الإنتظار المقابلة لمكتب الإستقبال برفقة رجل يرتدي ملابس ذات طابع فرنسي

لينهض متجه لغرفة التصوير بينما هي تتبعه ببسمة طفولية سعيدة ، وتتمتم في داخلها

(فعلتها)

ليلتقط لها الصورة هذه المرة غير رسمية إنما تعمد أن تكون صورة عفوية تخلو من القيد ، والإلتزام

لتنتهي بعدها وتخرج خلفه ويخبرها بميعاد إستلامها وبين يديه الممتدة نحوها كارت يحمل كلا من

( أسمها ، تاريخ الصورة ، ثمنها ، وميعاد إستلامها)

لترحل متجهة بعد ذلك إلي منزلها ، وتعتريها مشاعر مختلطة من مٌضي العمر ، والحنين إليه ، وتجارب قد أنضجتها ممتنة لها ، قد كونت شخصيتها ، وتعترف نفسها بالرضا ، فلو لم تصب بهؤلاء التجارب لم تكن اليوم علي هذا القدر من الكفاءة ،والتفاني في العمل ، والوعي في العلاقات المختلفة علي حد سواء

دلفت إلي منزلها ، وإلتقطت صورة لكارت الإستديو تشاركها زوجها مرفقة ببعض العبارات (لين تسعي لتحقيق أحلامها) ، ليأتها الرد بعد برهة (فعلتها متسابقة الحياة العنيدة دوني؟ لا بأس الأهم إنكِ سعيدة) ، فتلقت رده بإبتسامة عاشقة

وتهم بعدها بإتمام مهامها المنزلية من فريضة ، وطعام ، وتنظيف، ليأتي ميعاد عودة زوجها من العمل ، لتستقبله بود، وما لبثت دقائق مرت حتي آتها مطبخها يعاونها في نقل الطعام ، وإنتظار آذان المغرب ، علي طاولتهما الصغيرة الجامعة إياهما بمودة ، ورحمة

مودة جعلها بينهم بالمصاهرة سبحانه وتعالي، ورحمة رحهما بها، فعطف بعضهما بذلك على بعض (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

لينهيا إفطارهما متبوعًأ بمعاونة زوجها باتت، وكأنها جزء من روتينه ، أو صلاته أيهما أقرب

وحينما إنتهيا من فريضتهما ، أمسكت لين هاتفها ، تتصفحه ، تري التعلقيات التي حازتها صورة البارحة لزوجها في أول عزيمة تعد في منزلهما علي شرفًأ أنهما زوجان مسؤولان لتوريه إياهم وهي تؤمن علي إحدي الأدعية التي دعتها لهما والدته ، وفي الآن ذاته تجذب إنتباهها رسالة قد وردتها منذ ساعات قليلة من إحدي المتابعين ، وكان محتواها:

محتوي الرسالة: (أهلا لين كيف الحال؟)

سأقص عليك من البداية فأنا أتيقن أن ما يحدث ليس بشئ هين ، ولكن أخبريني ما هو الذنب الذي أقترفته حتي ألقي هذه البغضية والكره ؟ ، لماذا نلقي اللوم ، والخطأ علي البرئ لا المخطي؟

(لين أشعر بالضجر ، وأعصابي تالفة ، وكأنني مصابة بإنفجار غضبي متقطع أظل كاظمة غيظي حتي أنفجر علي سبب تافهه ، لا يدعو لكل هذا الغضب ، ولكن لا أعلم حائرة ماذا أصنع بأمري هذا)

تعرفت أنا وزميلة لي بالعمل وبمرور الوقت أصبحنا أصدقاء ، كانت علاقتنا جيدة وتسير علي رحب لا بأس به بالنسبة لأصدقاء جدد ، لا نتختلف كثيرًا نتغاضي ، وإن إختلفنا كنا فقط نختلف لأجل إختلاف الطباع ، وبإننا لا نعلم بعضنا لبعض كثير

مرت تقريبًا سنة علي تلك الصداقة ، وعند ظهور صديق مشترك بيبنا بدأ الفتور يغزو صداقتنا ، والشجار يزداد ، وإلقاء التحجج ، كنت ساذجة كثيرًا لا أعلم لماذا؟

ولكنني كنت بالحقيقة أعلم جيدًا السبب ولكنني أستبعده من الخلفية بشكل كبير أحيانًا ما تستبعده عن الأمر يكون هو حقيقته

وهذا ما حدث كانت أخبرتني يومًا ، أنها معجبة بذاك الصديق ، ولكنني لم أخذ الأمر علي محمل الجد ، فهي فالكثير من الاحيان تلقي نكت ساذجة فلم أعلق وألقي بالاً

وما أزعجها كثيرًا أنه كان الأقرب بالنسبة إليّ ، فكنا صديقين في مرحلة من مراحل الدراسة المدرسية ، وتجمعنا هواية القراءة ، ونرتاد دومًا بنهاية الأسبوع إلي مكتبة الأسكندرية ، ونتناقش حينها في عدة مواضيع عن عدة ثقافات وغيرها

كثيرًا ما تلاعبت بيّ ، ألقت بداخلي كره كل ما بغضته في ذاتي عن طريق نصيحة تدس بها السم بالعسل ، أو سخرية وسط مزاح ساخر تتبعه في الأوان الأخيرة ، عرفت نقاط ضغفي ، وبرعت في جعلي مذبذبة الثقة بالنفس ، والإ شارة لذاتي في المرآة علي أنها السبب بما يحدث ليّ ، بتت أجلد ذاتي بلا هوادة ، تشقي نفسي هي صباحًا، بتعليقات لاذعة، وأردعها أنا ليلاً من البكاء، قسوت علي نفسي ، وأنبني ضميري، وشعرت بأنني صيادة رجال ، ومن حبيب صديقتي؟ ، فبت عصبية ، أصرخ ، ويتعكر مزاج بسرعة البرق ، أي شئ قادر علي قلب سلامي النفسي ، أما هي فإختفت تدريجيًا من حياتي وتركتني، ووعودها الزائفة حلقت في الهواء تتبع سرب الطيور المهاجرة، وعلاقتي بصديق الطفولة تحطمت بعدما أخبرته إنني لا أود جلوسه معي كل نهاية أسبوع في مكتبة الأسكندرية ، ومنعت نفسي أن من دخولها ، من دخول كل ما تطيب النفس ، وتستكين فيه.

لا أعلم ماذا يستفيد المرء من كل هذا الخداع والغدر ، أليست الشفافية ، جزء منها يبقي العلاقات مريحة ؟

(كان رد لين علي رسالة آتتها من متابعة تقص فيها مشكلتها ، وهي تتبلور حول الغيرة بين النساء)

(في كثير من الأحيان لا نجد سببًا لفساد النفس ، ولا نعلم متي ستصلح ، وتستقيم من اليقين أننا بشر قلوبنا مليئة بالغاوية ، والقليل من الشرور التي تتكاثر، ما لم نردع أنفسنا ، ونجردها من كل ماهو سئ ، وندعو الرب بالثبات ، فقلوبنا بين يديه يقلبها كيفما شاء من هنا.

كيدهن عظيم هكذا وصف الله عزوجل كيد النساء ، جُبلت المرأة علي حب الذات ، تود أن تكون أجمل النساء ، وأكثرهن جاذبية ، وتري أن المدح لا يليق إلا بها ، وخلق لها ، والجمال يعد أحد أسباب نشوب الغيرة بينهن ، وقد يصل الأمر إلي المحاكاة التي تقلل من الآخري ، ولا يهم فهي تعد خصم ، ويجب الفوز عليه لتثبت لذاتها أنها الأجمل ، والأروع ، والأذكي بينهن ، وعوامل نشوب الغيرة تمكن في المدح فالمراة المحبوبة تفتح لها كافة الابواب المغلقة لنجاحها ، ولباقتها ، ومستواها الأخلاقي فيجعلها علي ثقة عالية بنفسها.

ولكن في الجانب الأخري تشتعل المنافسة بينها ، وبين أقرانها ، وتدبر لها المكائد ، والحقد يدفن في القلوب لأن هذه المراة تجذب الرجال ، وتلفت نظرهم بنجاحها ، وتألقها مما يجعلها محط غيرة من الآخريات غير الأسوياء نفسيًا فقد يبدنن عكس غيرتهن بعبارات المدح والثناء، أو الترحيب

وقد يصل الأمر إلي دس السم في العسل، وإلقاء كلمات مسمومة بداخلها لجعلها تفقد الثقة بنفسها ، ووقتها تكون هدف نصب العين ، وتهتم بكل عيوبها لجعلها تتشتت ، وتصب تركيزها علي ذاتها ، ومن هنا تشعر الآخري بلذة الإنتصار بعدما كررت كلماتها ، ورسخت في العقل ، ومن البديهية ، وطبيعة الإنسان أنه يتأثر بالكلام ما دام تكرر ، وتصدقه النفس.

حينئذن غيرة الأنثي من الأنثي تصل إلي حالة مرضية قاتلة، حينما تتجاوز حدودها ،ويكون عن طريق إحساس بالنقص من صديقتها ،والغيرة ظاهرة منتشرة ، ومتفشية تتقنها المرأة علي الأخري ولا يسهل إكتشافها ، فهي تكون من باب التوعية ، والخوف عليها

(كل هذا من الناحية الإجتماعية والنفسية للغيرة بين النساء)

من الناحية الدينية:

(قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم: والغيرة عند النساء مِن جُملة الابتلاء الذي يبتلي الله به عباده ،ويتتجاوز المرأة الغيرة بالصبر ، واليقين ، وضبط النفس ،وعدم الركض وراء هوائها ، ومن تخفق فيه تتذكر أنه نهي عنه)

( ولكن الغيرة بين النساء حرب لا تنتهي من الإيذاء النفسي)

#الغيرة_بين_النساء_تعد_إيذاء نفسي.

#حكايات_نمنم_لـ30_يوم_غير_كل_يوم.

#منة_محجوب.

#خواطر #شعر #خربشات #قصائد #كتابات #أدبيات.