تتحرك الكلمات المشتتة في عقلي بسرعة، فلا أكاد امسك منها شيئا أستطيع به أن أصنع جملة تعبر عن ما يعتمل في قلبي من مشاعر متضاربة ولكنها حزينة وبائسة في مجملها. لم يمر علي يوم في حياتي شعرت فيه بهذا الكم من العجز والحنق على نفسي وبلدي ومجتمعي وبني عروبتي وإسلامي... لقد أصبحت غزة مرآة نرى فيها كم تشوهنا وكم فقدنا من قيم كنا حتى وقت قريب نظنها بديهيات لا تحتاج إلى نقاش أو مراجعة.

كم هائل من الصور المفجعة ... كم هائل من صيحات الألم والفجيعة... حصار رهيب من النظرات المعاتبة المتسائلة... هل هُنَّا عليكم إلى هذا الحد؟... أطفالنا يذبحون يوميا على شاشات التليفزيون أمام العالم أجمع... الكل يشاهد ... يشاهد فحسب!!... الكل يلوم الكل: أنتم ماذا فعلتم لغزة حتى تتهمونا بخذلانها؟!... وكأني أرى الآية الكريمة متمثلة أمامي في هذا السجال البغيض... (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ)... لقد صارت غزة امتحانا لإنسانيتنا وديننا وتاريخنا... امتحانا لكل شيء... امتحان صعب، رغم أن الإجابات معروفة، إلا أنه صعب... صعب لأننا ظننا أن لن نختبر أبدا... والأشد إيلاما في هذا الأمر أن يغضب من لا ينتمون لعروبتنا وإسلامنا أو حتى جغرافيتنا وتاريخنا...هم يغضبون، بينما ضمائرنا في سباتها العميق... وتمر الأيام ويبدأ ما نخشاه جميعا في التحقق أمامنا... نبدأ في الاعتياد!!... اعتياد الموت والطغيان... اعتياد الدمار والدماء والأشلاء.

صرنا أبطالا ومناضلين على مواقع التواصل... نقاتل بالتعليقات والتفاعل بانفعالات الوجوه الدامعة والغاضبة.

غزة ستنتصر ... ستنتصر بدوننا، وبعد أن تكون قد صفعت إنسانيتنا جميعا صفعة موجعة مدوية لن يمحو أثرها الزمان.