لن يتكمن الفرد من تشكيل الوعي الخالص مالم يكون صاحب رأي مستقل، هكذا هي فلسفة المعنى لصنع الحكمة في الراي ، إن الفلسفة في فهم الحكمة تعطي تعريفاً واضحاً لتعرية الغموض الذي يحجب القصد ، لا احد يستطيع أن يكون بارعاً في صناعة رأيه ما لم يكن صاحب تجربة في فهم صفات التعامل مع من حوله بحكمة دون الخضوع لإملاءات الفكر البدائية التي تقود دائماً لتشويه في القصد.

دعونا نطرح تعريفاً شبه جدلي لهذه الحكمة التي يجب أن تكون حاضرة حين طرح الأراء ، حكمة الرأي هي حالة من الإنبثاق لمحاولة فرض فكرة معينه وإتباع تفاصيلها ، بغض النظر عن ماهياتها ،بمعنىٰ أدق الحكمة في الرأي هي الصورة الظاهرية للفكرة ،التي يجب أن تكتمل وتأخذ حقها في الترسيخ ، حتى لا تكون إنعكاساً عن حركة الوعي اللا فكري.

لهذا لا تعطي رأيـاً دون الحكمة في معناه ،فطبيعة الفكر البشري القائم على التفسير لا يتقبل تلك الأراء التي تتمتع بالمنطقية ، والتي تحمل في طياتها فكرة وهدف ومعنىٰ ، فثمة من يفهم هذا التشكيل الثلاثي، ويفسره وفق منهجية واضحة ، فالرأي المتبوع بالحكمة يعطي أو ينتج أكثر من فكره.

لا تجعل ارائك محل نقد ، فالنقد يجرح ويشوه ثبات الرأى والأخذ به في الوسط المحيط ، الإنتقاء في طرح الرأي يحتاح لفهم وتحليل وجه النقاش الذي يدور حول فكرة ما ، أو قضية ما ، وفي كل الأحوال أن لم نتقن فن الطرح في الرأى ،ستكون أكثر عرضة للنقد الجارح ، لآن طبيعة فهم الشيئ تتفاوت حسب ثقافة ومرحلة النضج الذي يتمتع بها المُتلقي.

حكمة الرأي تعتمد إعتمادًا كليًا على وعي الفرد ومدى إدراكه لما يطرح من وجهات النظر، ويتوقع تبعاته فهو من يقيس حاجياته ويصنع حكمته في ذلك ‏"حتى أن البعض أصبح يحتفظ برأيه لنفسه خوفاً من فقدان من يحبهم بسبب عقليتهم المتحجرة المقصية للرأي الآخر" حسب توصيف دوستويفسكي الأمر ليس فطريًا بل درجة من الوعي والنضج الفكري الخالص الذي يتمتع به المرء ويقاس عليه ردة الفعل الجمعي لمن حوله.