لماذا لا تقف معهم؟ لماذا أنت وحدك هناك؟

سألني أبي هذا السؤال حين جاء ليأخذني من المدرسة الابتدائية منتصف اليوم الدراسي بينما كنت متكئًا على أحد الجدران في الفسحة، في الحقيقة الوحدة لا تؤرقني، أكثر الأحيان أني شعرت بالدفء هناك، وعلى الجانب الآخر تعسرت إذ طلبت الانتماء، وبصرف النظر عن تجارب الرفض، كان لدي تجارب قبول رائعة شكلت الكثير من شخصيتي، لكن لطالما وخذني هذا الشعور الذي يقول: ماذا تفعل هنا بينهم؟ وما هذا الذي يفعلونه؟ إنهم رائعين، وودودين، يمارسون طبيعتهم، ولكنك لا تشبههم، بينما هم متشابهين جدًا.

لدي شوارع أحس فيها صوت السكون، المكان الذي بإمكاني أن أسمع فيه صوت النسيم هو الأنسب، أضواء المدينة حين تلتقي مع الغسق، بعض القطع العابرة من حيوات الناس، أو طريق ممتد في وسيلة مواصلات ظفرت فيها بالمقعد المجاور للنافذة، تكون الأمور على ما يرام طالما أني لازلت العب دور المراقب من بعيد، لكن حين اقترب تظهر تحديات من نوع ما.

ولما كنت أستخدم المعدة في بعض شئوني العاطفية كنشاط جانبي للهضم، فإني لا أعثر على الجانب الحزين من الوحدة إلا حين أجتمع بوجبة لذيذة على طاولة في مكانٍ عام، وحدي، وربما لو كنت تناولتها وأنا أسير في الطريق لما كان سيصل الحزن لهذه الدرجة.

غير أنه لا بأس، لا بأس أبدًا، الوحدة هي طريقي لكل شيء، إذ أحتاجها لأعمل عبر الإنترنت، وأكتب الروايات، وأنتج الموسيقى، كافة الأمور التي أبرع فيها تستدعي أن يكون الإنسان وحده، خاصةً وأن الناس لديهم ميل كبير للاستنزاف، وقدرة عجيبة على إضاعة الوقت.