وقفت أتساءل مع نفسي كثيرا في وقفة طويلة من منهما الأقوى؟ من المتحكم الأول؟ من الذي يجب عليه تسيير الأمور حسب قواعده؟ من الذي يجب أن يتقلد زمام الأمور؟ الإنسان بعقله الطامح القوي الذي يريد أن يخضع لهواه كل شئ؟أم الطبيعة بقوتها وعنفوانها؟ من له الكلمة العليا منهما يا ترى!؟ 

الإنسان الذي كيف الهواء حسب مزاجه وإرادته؟ أم الطبيعة التي قد تأتي في لحظة لتدمر كل شئ؟. 

الدكتور مصطفى محمود طرح هذه القضية في كتابه "رجل تحت الصفر" عن طريق مناقشة بين الأستاذ وأحد طلابه

فيقول الأستاذ: فالإنسان هو الذي يجب أن يتولى الوصاية، فهو العقل الوحيد المدرك الواعي بين هذه الظواهر العمياء. 

 الأستاذ يثير المسألة ويستند في رأيه أن الإنسان هو الذي يملك العقل الذي يفكر في كل شئ ويستطيع أن يزن الأمور ويختار من بينها، مدركا ما اختاره وما يؤول إليه؛ بينما الظواهر الطبيعية لا إدراك لها فهي تضرب إذ تضرب ولا تعرف نتائج ضرباتها، ولا تعي ما يحصل منها، ولا تعرف ما سيؤول إليه الأمر. 

وهنا يرد الطالب: ولكن كيف يتولى الإنسان الوصاية على الطبيعة وهو ابنها الطفل وأحد نواتجها؟.. عمر الطبيعة أكثر من 23 مليون سنة بينما عمرنا فيها لا يتعدى المليون سنة.. وإن ما نجهله من أمر الطبيعة أكثر مما نعرفه.. وإن كانت الظواهر عمياء فكيف تفسر التطور وسيره من المكروب إلى الإنسان في مسيرة تدل على البصيرة والتعقل؟. 

فالطالب يستدل على رأيه بأن الطبيعة هي الام والاصل والتي أنجبت الإنسان واحتضنته وبالنظر إليها هو ما يزال طفلا فكيف يتولى الوصاية الابن على الأم! وكيف يتولى الوصاية والطبيعة أقدم منه بملايين السنين ويجهل عنها أكثر ما يعرف. 

ثم يتهم الأستاذ الطبيعة بأنها مجرمة ومن تبعات جرائمها مخلوقات كانت قبلنا انقرضت وأتت الطبيعة عليها فلم تترك منها مخلوقا، وأن التاريخ كتاب كاذب لا ينقل لنا إلا الحسنات فقط، ولا يظهر لنا جرائم الطبيعة وعنفها. 

وقد أصابتني الحيرة بعد هذا النقاش، من منهما أحق وأقوى؟ 

 برأيي إن الإنسان قد سير الجبال ومهدها وكيف الهواء حسب ما يريد، وحول المياه المالحة وجعلها عذبة للشرب، لكن إن كانت الطبيعة أقوي فكيف لم تمتنع؟ وكيف قبلت الخضوع للإنسان حسبما يريد هواه؟. 

وفي نفس الوقت فإن الطبيعة إذا ما كشرت عن أنيابها عجز الإنسان عن مواجهتها فرغم أنه قد أحال الليل نهارا إلا أن عاصفة واحدة قادرة علي إظلام الدنيا، ورغم أنه حول المياه المالحة لعذبة إلا أن إعصارا واحدا قادرا على جعله يهرب بل وقتله، فإن أخضع الإنسان الطبيعة فلماذا ينهزم أمامها!؟ 

فأخبروني كيف ترون الأمر : أيهما أقوى؟