الاتصال قد يكون لفظي أو غير لفظي، ونحن نتواصل مع الأمم السَّابقة من خلال آثارها المتروكة، وهذه الآثار يستفيد منها سائر البشر، فمنها ما يدرُّ دخلًا للدَّولة ويشاهده أناس ويمتِّعوا أنظارهم به، ومنها ما نفيد منه في عمليَّة التَّعليم والتَّطوير كملاحظة تقنياتهم أو الأمور الدَّالة على أساليب حياتهم أو الاستفادة من هندستهم المعماريَّة ومحاكاتها... إلخ، ومنها من يأخذ الإلهام ويخرج لنا بإبداع مثل ما نراه في قصص (المانجا والأنمي) ومن أبرز الأمثلة (أنمي ومانجا يوجي) فتراهم يبدعون في القصص وتصميم الملابس وتفاصيل الشَّخصيات وهذا يفيدهم من حيث الدَّخل أو التَّكسُّب منه وكذلك يفيدهم معنويًّا من حيث السُّمعة والشُّهرة وتلاحظ أن سلسلة (يوجي) هي مصدر دخل ومصدر رئيسي لشهرة مؤلِّفه، ومنها ما يَتأمَّل فيه النَّاس فيتذكَّرون دينهم ويستعيدون أو يتذكَّرون قصصًا من الدِّين ويستدلُّون به على صحَّته ومن ذلك (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) حيث كان هناك خبرٌ يقول إنَّ حجارة الأهرامات هي من الطِّين المسخن وهذا من دلالات صحة الدِّين الإسلامي وما حطمته داعش من آثار النَّمرود وكانت دلائلًا وشواهدًا على وجود النَّمرود وذكره في الرِّوايات الدِّينيَّة، وهذه الآثار أيضًا هي شاهدةٌ على أهم شيءٍ يملكه الإنسان ولا يملكه غيره من سائر المخلوقات وهو (الذَّاكرة التَّاريخيَّة) الَّتي نشأت من عمليَّةٍ ميَّزت الإنسان عن غيره من المخلوقات أيضًا وهي (التَّسجيل) في صوره وأشكاله المختلفة، وهذه العمليَّة تُنقل بها المعرفة والخبرات، وبدون نقل المعرفة يصبح الإنسان كلأنعام ليله مثل نهاره ونهاره مثل ليله وحياته مستوية. فحقَّ للدُّول والأمم والشُّعوب والأعراق والقبائل والطَّوائف والأفراد أن يفخروا بما منحهم ورزقهم الله من هذا النَّصيب.
نحن نتواصل مع الأمم السَّابقة
أشعر بهذا الاتصال عندما أنظر إلى الأهرامات. أشعر أنني لي أصل وتاريخ كبير، يحفزني للحياة. هم منذ آلاف السنين قاموا ببناء كل هذه الحضارة، ماذا أنا عساي أن أفعل بكل الفرص المتوفرة اليوم؟
الأمر أعمق بكثير من مجرد بناءات أو رسومات، إنها هويتنا.
هو كذلك
أحياناً أشعر بالعجز تجاه ما يمكننا فعله لجعل أجدادنا فخورون خاصة بناة الأهرامات
تتحدث الأخت خلود عن التواصل مع الأمم السابقة، لكن اعتقد أننا فشلنا أصلا نحن الأحفاد على التواصل معهم لأننا لو نجحنا ما بقي حالنا على هذا طويلا
ألا يمكن التفكير بهذا الاتجاه قليلا بالنسبة لك؟
الحضارة عالم زاخر، في لحظات كثيرة يجعلنا الأمر نتوقف عند تساؤلات كثيرة بعضها هل حقاً نحن اليوم باستخدامنا أحدث الوسائل تفوّقنا على بعض الحضارات القديمة؟
فحين ننظر لإنجازات الحضارات القديمة نوقن أن عقولاً فذّة قامت بتصميم وتنفيذ أعمال ما تزال حضارتنا تتسائل عن طريقة فعل ذلك.
حين كتب الرواة قديماً كتب خيال كانت تتمحور حول غزو الفضاء، نظر القراء حينها للأمر كحلم جميل، اليوم يغزى الفضاء كواقع وحقيقة.
بين الماضي والحاضر والمستقبل سلسلة تبدأ بحلم وتنتهي بواقع لتعود في دورة أخرى لتصبح حلماً من جديد.
ربما هذا أجمل ما في الحضارة من تكوين، أنه يبقى علامة استفهام تحتمل عدة إجابات.
بعض الأفراد للأسف كثيرا ما تركن إلى هذا الرزق وكلما سألتهم عما قدمو له تسمع عبارات مثل: نحن حضارة 7000 سنة، نحن خير أمة أخرجت للناس...إلخ؛ لذلك أرى أن الاعتزاز المطلق ووضع هذا النصيب فوق قدره مثبّط أكثر من كونه نافعا
موضوع جيد يا خلود، لكن لا انصحك بإسقاط فكرة إثبات الأديان في هذا الأثر، نحن نؤمن بالأديان لأننا نريد أن نؤمن بها وليس لأننا اكتشفنا أن حجارة الأهرامات من طين تم ايقاده، نصيحتي لك هي تجنب الزج بالأديان في هذا الأمر، لأنه إذا ثبت نوع آخر للحجارة من الأهرامات قد يسخر أحدهم من الأديان وقتها
هذه من آثار عبقرية المكان، والارتباط بالبيئة والتاريخ نزعة أشبه بنزعة الحرية، أشعر بعض الأيام أنني لو كنت ولدت أو ذهبت في آلة زمن مثلًا إلى العصر العباسي، لوقفت بين يدي الخليفة في ذلك الزمان وأنشدته شعري. أو ذهبت لابن سينا لأعرف منه كيف تتكون العقلية القادرة على خلق أفكار أصيلة.
أو رجعت إلى مصرنا الفرعونية لأحدث أمحوتب أحد أعظم العقليات في العالم القديم بعد أرشميدس، عن هرم سقارة,
وأقف قليلًا أرقب بناء الأهرامات. التاريخ امتداد، وفخر لكل إنسان عاقل.
التعليقات