يُؤسفني أولئك الأشخاص الذين يركبون الموجة في كلّ شيئٍ، ويحشرون أنوفهم عند كلّ موضعٍ. احترقتْ غاباتُ الجزائر فصرخوا حتّى كادت تنفجر أوداجهم على أنّها مؤامرة. انتشرتْ فضيحة رانيا ميمون فأصبحوا فجأة خُبراءَ تسويق، وعالِمِين بخبايا الإنترنت والاستهداف الإلكترونيّ الجشِع. عاد «الأبطال» الجزائريّون بصفر ميداليّة من طوكيو، فجعلوا من أنفسهم -هؤلاء الأشخاص- محلّلين رياضيّين وقادرين على قَنص كُنه الخسارات المُرّة المتتاليَة (وهذا بعيدا عن بُكائهم على بكاء ميسي التاريخيّ عند رحيله من برشلونة، ليظهر سعيدا سعادة الشمس عند شروقها في يوم صيفيّ بعدها، عند التحاقه بالنادي الباريسيّ). تجدهم يرمون آراءَهم الساذجة في معدّلات البكالوريا كذلك، وفي سبب انسحاب ذلك الرياضيّ الجزائريّ أمام نظيره الإسرائليّ، ويتكلّمون بكلّ حرارةٍ لاهبة غريبة، متجمّدة في واقع الأمر. هؤلاء أنفسهم من يشقّ عليهم حمل كتاب صغير، أو متابعة درس نافع، والسببُ -كما أراه في رأيي المتواضع- يعود إلى خوفهم من معرفة أنّ عقولهم فارغة جدّا، وأنّهم في الحقيقة مجرّد كائناتٍ جاهلة لأصغر البديهيّات، وأنّ جهلهم هذا أغمق من خندق مارينا البحريّ، وأكبر ما يجهلونه هو أنّ المرء إذا تكلّم في كلّ حديث وأدخل نفسه في كلّ كلام سيتساوى مع الأرض ببساطة تامّة، وعلى أنّ الأرضَ نافعة عكسهم، وأتعجّبُ من عدم معرفتهم بحقيقة أنّ: «الجاهلَ ثرثارٌ»، فلو علِموا هذه لما ثرثروا في الفراغ. وإنّ كلَّ الأسفِ لَيقعُ أكثر على أصحابنا الذين يعلّقون في كلّ ضرب في مواقع التواصل الاجتماعيّ -كمّا سمّوها-، بأدعيةٍ فارغة مكرّرة تدعو إلى نجاحهم، وكأنّ العلاقة بالله قد استحالت إلى علاقة بعباد الله في أمورٍ ربّانيّة محضة، وأغُضُّ البصر كلّ غضٍّ عن «دعوة أربعين شخصا مستجابة»، وكأنّ نومه طوال العام، ثمّ بعض إعجابات الناس على تعليقه هذا، سيجعله في المراتب الأولى يرفرف كعلمٍ عند نهاية العام، أو على الأكثر سيُكتب اسمه قُبالة ألبرت أينشتاين. وكلامي هذا يشمل أيضًا أولئك الذين يكتبون بالفُصحى -مع كثير من الأخطاء الإملائيّة طبعا- أولئك الذين يُحدّدون مدى ثقافتهم بعدد الأشخاص المُعجبين بصفحاتهم على فيسبوك، أو بوجود علامة التحقّق الزرقاء أمام أسماء حساباتهم، أولئك -للأسف تارة أخرى- يتكلّمون في كلّ بابٍ، حاسبين أنفسهم «نخبة المثقّفين»، الذين يعلّقون تحتَ صور المشاهير واصفين أنفسهم -الواحد منهم- بفخر العرب، ومسوّقين لأفكارهم السطحيّة بكلمات أكثر سطحيّة ليجتذبوا أكبر عدد من الأشخاص المخدُوعين ببريق واهٍ، ناسين أنّ الثقافة الحقيقيّة لا تظهر في التعليقات، وأنّ الإنجازات غير مُرتبطة دائِمًا بكتابة مقالة أو كتاب يستحقّان على الأرجح الحرق لفائدتهما الطاغيّة.

لقد كان قول أُمبرتو إيكو صادِقًا جدّا إذًا، حينما صرّح: «أدواتٌ مثل تويتر وفيسبوك، تمنحُ حقّ الكلام لفيالق من الحمقى، ممّن كانوا يتكلّمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسبّبوا بأيّ ضرّر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فورًا. أمّا الآن فلهمُ الحقّ بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنّه غزوُ البلهاء».

ألا ترون أنّه علينا التحرّك قبل فوات الآوان؟ إنّه غزوٌ شرِسٌ، وعلى الأرجح يجب أن نُذكِّر أولئك الذين تحدّثنا عنهم أنّ مقاماتهم قديما هي سُكارى بنبيذ رخيسٍ، وعلينا إخبارهم من باب النصح الجائز، أنّ السكر غير صحيّ خاصّة ذلك الذي يُورث الغباء، ويجعلهم يفكّرون بغير عقولهم (بماذا يُفكّرون إذًا؟ لا نعلم صراحةً). وخطرهم علينا أنّ أصواتهم مسمُوعة في زمننا هذا، وتأثيرهم واردٌ جدّا. فعليهم إذًا أن يَسكُتُوا أو أن يُسكَتُوا.