في أحد المرات اجتمعت بمخرج أفلام قصيرة بشركته، وعرض لي فيلم من إخراجه، لقد كان الفيلم عبارة عن أحداث تلاحق بعضها بشكل فجائي وبلا أي رابط درامي، أي أن الأحداث لا تمثل صدمة أو اكتشاف لحقيقة ما أو التواءة درامية، لكنه تتابع عبثي من الأحداث لا يقود إلى شيء في النهاية، فهذا شاب لديه صراعات عاطفية مع فتاة، تركها للتو وذهب يجلس مع صياد يقول له بعض الحكم ثم يذهب للمستشفى ويجد رجل قعيد يخبره بأنه أبوه الذي نساه منذ سنين ولم يسأل عنه، ثم ينتهي الفيلم. 

بالفعل لا أتذكر باقي الأحداث فليس من داعٍ لهذا، لكني قد التفت إلى المخرج وسألته: ما هذا العبث؟ فقال أن هذه رؤيته للفيلم، أحداث متتابعة وحالات مختلفة، وانتهى الأمر. 

كما هو!

في الفن، الشيء كما هو، كما تراه، كما تسمعه، لا تسأل لماذا هو هكذا، هو فقط كذلك، لكن هذه ليست وجهة نظري، إنها وجهة نظر آخرين وضعتها هنا بوضوح، نعثر على العديد من الدروب السيريالية في الفن، فهناك لوحة تشاهدها تفهم ما يريد الفنان قوله منها، وأخرى تعتمد على "التجريد"، إنك لا تفهم شيء، والفنان نفسه لا يريد قول شيء، إن الأمر "كما هو"، هناك مقاطع موسيقية أيضًا تأتي بنفس الطريقة. 

يتجه هذا التيار من الفنانين – على حد ظني – إلى تقديم فن يتم تذوقه على حالته التي عليها، فإن الفن ليس بالضرورة عليه أن يعبر عن معنى ما، وإنما بإمكانه أن ينقل أنماط ومشاعر متضاربة نقلًا محضًا، كالذي يأتيك بحفنة من فتات الصخر ويضعها أمامك ثم يرحل، هكذا بلا سبب، يصف أصحاب هذا التيار نوع الفن السيريالي بأنه يخاطب أصحاب الحس الإنساني المرهف، والعقل الواعي بالمعطيات التجريدية من حوله، فيما يصفهم الآخرون بأنهم يقومون فقط بعمل خدوش عشوائية سيئة المظهر ويطلقون عليها فنًا. 

فهل أصحاب الفن السيريالي على صواب فيما يصفون به هذا الفن؟ أم أنهم جماعة من السُذج يريدون أن يصنعوا مجدًا من لا شيء ويبالغون في هذا المجد؟ 

هل ينبغي أن نحصل على معنى واضح من الفن كي يكون فنًا؟