"ظل راجل ولا ظل حيطة"! لا أعتقد أن سماع هذا المثل سيُثير استغرابنا كونه مثل متداول في كل بقعة عربية تقريبًا. الأمر لا يقتصر على تداوله، بل إن معانيه الضمنية تتبناها مجتمعاتنا العربية بقوة وإن كان بطُرق غير مباشرة!
"العنوسة"،، هذا المصطلح الشائك الذي على الرغم من أنه يُستخدم لوصف كلٍ من الرجل والمرأة، لكن ألصقته مجتمعاتنا بالمرأة بالتحديد دون الرجل. ولن يحتاج منا الأمر وقتًا لمعرفة سبب التصاقه بالمرأة! فالمجتمع ينظر لعنوسة المرأة بأنها أمر فُرض عليها وليس اختياريًا، بالإضافة إلى ارتباطه بسن الإنجاب للنساء.
على الجانب الآخر، فعنوسة الرجل هي أمر اختياري غالبًا بدون تجاهل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تُعيق قدرة الشباب في غالب الأمر على الزواج ويضطرون لتأجيله!
لكن حتى إن قام الرجل بتأجيل قرار الزواج سواء بسبب أو بدون سبب، يظل وفقًا للتعريف الشعبي المجتمعي "رجلًا" ومتى ما شاء تزوّجّ في حين المرأة لا تمتلك هذا الحق في "عرض الزواج"!
وبغض النظر عن عنوسة الرجل، إلا أن العديد من الأشخاص يروْن في المصطلح ذات نفسه انتقاصًا لقيمة المرأة وقدرها، وتقييدًا لدورها في المجتمع باعتبار أن الزوج دور رئيسي في حياتها، في حين أدوار المرأة كاملة ومتعددة في الحياة ولا يُعيبها عدم الزواج!
الأمر الآخر الذي يجعلني "شخصيًا" أُكيل العداولة لهذا المصطلح أنه وضع المرأة في قفص الاتّهام! "فالمرأة العانس" من وجهة نظر المجتمع هي تلك التي فشلت في تسويق ذاتها أو افتقدت لصفات معيّنة تجعلها مرغوبة للزواج!
وعلى الرغم من أننا جميعًا نتّفق على بطلان هذه المعايير والاتهامات ضد المرأة بأمرٍ ليس بيدها ولا يزيدها تشريفًا أو ينتقص من قيمتها، لكن لا تزال المجتمعات العربية تتبنى هذه الصورة الضمنية ولو بالخفاء!
ولا تزال العديد من المجتمعات أيضًا يربطن بين "عنوسة المرأة" وعمر معيّن، وغالبًا ما يُطلقون على من تجاوزت الثلاثين من عمرها دون زواج بأنها "عانس"! بل وأزيدك من الشعر بيتًا عزيز القارئ، هناك مجتمعات عربية قروية غالبًا يعتبرون الفتاة عانسًا إن تجاوزت العشرين من عمرها دون زواج!
الأمر الآخر لإشكاليات مصطلح "العنوسة" أنه اعتبر الإنجاب الهدف الأساسي الأسمى للزواج. وبلا شك أنا لا اختلف في أن الإنجاب أحد أهداف الزواج السامية، لكنه بلا شك ليس الهدف الوحيد!
فالزواج يُنظر إليه كوسيلة لتحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي والعفة وصوْن المجتمع من الانحرافات الأخلاقية وما يتبعها، وتقوية العلاقات بين الأفراد وإيجاد السكينة بين الزوجيْن وغيرها من الأهداف التي يُمكن الاكتفاء بها إن لم يحدث إنجاب!
وهنا يُراودني التساؤل الذي بالتأكيد وصل إلى أذهانكم جميعًا أعزائي القرّاء، كيف لنا أن نغيّر هذه المفاهيم المجتمعية "العقيمة" بخصوص مصطلح "العنوسة" والتي يبلغ عمرها مئات السنوات! وبرغم كل هذا التطور الذي نشهده لكن يبدو أن عجلة التطوّر والرقي الفكري توقّفت عند بعض المصطلحات، وأبرزها: "العنوسة"!
وهل تنظر إلى "تأخر سن الزواج" باعتباره مشكلة لكلا الجنسيْن؟ وإن كان كذلك فما الحلول التي تقترحها؟
التعليقات