أعجبني جدًا هذا العنوان فذكرني بموقف حدث معي سأحكيها لعل يكون مناسبًا وفيه إفادة

شاركت في صيف عام 2016 في أحد المؤتمرات الاقتصادية التي تقبل تحيكم الأبحاث العلمية لنشرها في مجلة علمية محكمة، قدمتُ بحثًا أزعم أنّي بذلتُ فيه وسعي، وأفرغتُ فيه طاقتي، قدمتُ فيه فكرة جديدة لعلها لم تكن مطروقة قبل ذلك بأسلوب رأيته جديدًا و يا بئس ما رأيتُ!!

جاءني قرارُ اللجنة العلمية - و هم أساتذتي لا أنقص قدرهم و لا أهضم حقهم - برفض بحثي كبحث علمي و لكن قبوله في المؤتمر كورقة عمل - و هي درجة أقل من البحث العلمي المحكم - ثم أرسلوا لي تقيم اللجنة العلمية للبحث فوجدتُ من أسباب عدم قبول النشر أن البحث كُتب بلغة بسيطة لا تناسب لغة الأبحاث العلمية

وأنا الذي كنت أظن أن كتابة البحث بلغة بسيطة أمرًا مفيدًا، ولكن كان العكس.

ثم في يوم المؤتمر حضرتُ و اضمرتُ في نفسي عند عرض ما لديّ في ورق العمل، أن يكون أسلوب العرض أسهل مما كتبتُ و أبسط مما دونتُ لغرض في نفسي و هو

هل كتابة الأبحاث العلمية بطريقة سهلة وبسيطة يخدم البحث أم لا؟

و حدث ما توقعتُ تجاوب معي الحضور بصورة أبهرتني و أسعدتني ثم أحزنتني

أبهرتني؛ لأني قبل الصعود على المنصة لاحظت أن بحثي مقارنة بأبحاث باقي الباحثين متواضعًا جدًا، فلم أتوقع هذا التفاعل

أسعدتني؛ لأني تأكدت أن المخاطبة بطريقة بسيطة وسهلة تفيد ولا تضرر، وتوسع دائرة المستفيدين ولا تقللها.

احزنتني؛ لأنه إذا كان الناس يتفاعلون مع السهولة والبساطة لماذا نعقد الأمور خاصة في الأمور العلمية؟!

تذكرتُ هذا و أنا أقرأ كتاب ( الاقتصاد ) " بول سامويلسين " و هو كتب يُعد مرجعًا علمًيا لكل الاقتصاديين، و يُدّرس في أكبر الجامعات الاقتصادية العالمية منها جامعة هارفرد و هي من أكبر الجامعات العالمية إن لم تكن أكبرها على الاطلاق

وقد انتشر الكتاب انتشارًا كبيرًا، و طُبع عدة طبعات حتى أن الطبعة التي بين يدي هي الطبعة الخامسة عشر سنة 2006 لا أدري كم بعدها من طبعات؟

في المقدمة يُعدد " بول سامويلسين " أسباب انتشار الكتاب فيقول:

" أنّه كتب هذا الكتاب بطريقة مبسطة و سهلة تناسب الجميع "

لا أظنُ أن المشكلة تكمنُ في المتلقين ولا في العلم ذاته، و إنما تكمن فيما يقدم بطريقة صعبة معقدة تنفر و تبعد.

تسيهل العلم و تبسيطه من أكبر ما يُقدم للناس، فتستطيع أن تقدم أصعب النظريات و تحلل أعقد المسائل، بطريقة بسيطة ميسرة يستفيد منها المبيتدئ و لا يستغني عنها المنتهي، في الوقت الذي تحافظ فيه على مصطلحات العلم، و تحمي هيبة العلم، يرجع هذا لتمكن من العلم و الأخذ بمقاليده.

فكلما زاد تمكنك من العلم سهل عليك و لَانَ، و استطعت أن توصله إلى الناس بطريقة سهلة و يسيرة و ممتعة

إذا تكلمت في أمر، فوجدتَ نفسك تتكلم فيه بيسر و سهولة تركض فيه ركضًا، فهذا أمر قد اتقنته و علم قد حظقته، أم إذا عسر عليك شرحه و صعب عليك توصيله فإنه علم بينك و بين اتقانه مفاوز.

كبار العلماء إذا تحدثوا في أعوص المسائل و أعقد النظريات، تجد لكلامهم حلاة و لحديثهم طلاوة لا لشئ إلا لأنّهم اتقنوا العلم، و اختلط علمُهم بدمهم و لحمهم فصار لهم سجيةً و أصبح لهم فيه دربة.

قال أحد أصدقائي لي يومًا: إن أينشتين قال: إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 أعوام فأنت نفسك لم تفهمها بعد!

لا أدري مدى صدق نسبة المقولة إلى أينشتين ولكني أصدقها.