الثقة بالنسبة لي هي مفتاح النجاح في الحياة. بدون الثقة لن يستطيع الإنسان أن يتقدم خطوة في حياته مهما امتلك من إمكانات، ولكن الثقة المبالغ فيها أو ما نسميه بالغرور هي ما قد يكون لها الأثر العكسي لما ذكرته، ولأنه كثيرًا ما يختلط علينا الفرق بين الاثنين، أريد أن أفهم منكم، ومن وجهة نظركم كيف نفرق بين الاثنين؟ وكيف يدرك الإنسان أنه على الجانب الصحيح من بينهما؟
ما الخط الرفيع بين الثقة والغرور؟
لأشرح المفهوم بشكل عملي لأنه يصعب علي شرحه نظري سوف أحدد مثال، لنقل أنكِ في العادة تستيقظين يومياً في الساعة 5 صباحاً، وهذا يعكس التزام حقيقي منك وحرص على تنظيم يومك.
إذا كنت تذكرين هذا الإنجاز لنا على حسوب بهدف إلهام الآخرين أو مشاركة تجربتك الخاصة بتطوير الذات فهذا يعبّر عن الثقة. أما إذا أخبرت من حولك أنك أفضل منهم لأنك تستيقظين في هذا الوقت المبكر ولم تذكري فوائد الفعل وتضمن كلامك انتقاص من اختيارات الآخرين، على مبدأ انظروا كيف يعيشون وكيف أعيش فهذا قد يظهر كنوع من الغرور.
بالتالي الثقة تتمثل في أن تكوني واثقة بقدراتك وأسلوبك دون أن تنتقص من الآخرين، بينما الغرور يظهر عندما تقارنين نفسك بالآخرين بشكل متعالي وتجعل تفوقك مبرر لأحكامك.
الثقة بالنفس تنبع من الذات وإليها, فهي تقييم ذاتي دقيق وصحي، يُدرك فيه الإنسان قدراته وأهميته بواقعية، دون نقصان أو مبالغة. على سبيل المثال، أعلم أنني أستطيع السباحة في حوض مائي، لكنني غير قادر على السباحة في البحر بأمواجه. هذا هو تقييمي لقدراتي في السباحة: يمكنني، بثقة بالنفس، القفز في عمق حوض مائي، لكن لا أستطيع القفز في أعماق البحر.
أما الغرور، فينشأ من الذات باتجاه الآخرين، حيث يسعى المغرور إلى إثبات تفوقه للغير, لإثارة إعجابهم وإظهار أنه أفضل منهم. لو كنت مغرورا بشأن موضوع السباحة، على سبيل المثال، لادعيتُ أنني أستطيع السباحة في أعماق المحيطات لأبهر الآخرين، وقد يدفعني هذا الشعور إلى القفز فعليا في أعماق المحيط، لأجد نفسي في النهاية غذاء للأسماك وسمادا للطحالب.
وكيف يدرك الإنسان أنه على الجانب الصحيح من بينهما؟
يصعب على المغرور أن يدرك أنه كذلك, لأنها تركيب لشخصيته ككل, فالمغرور بالعادة يكون كذلك في كل مناحي حياته, هو يحاول في مساره إثبات نفسه عن طريق الآخرين, بإعلاء شأنه وإنقاص شأنهم.
أشعر دائما أن الشخص الواثق يشعر بالاطمئنان دون الحاجة لإثبات نفسه أمام الآخرين، بل يمكنه أن يقبل نصيحة أو نقدًا دون أن يشعر بأن هذا يُنقص من قيمته. هو يدرك قيمة نفسه لكنه لا يشعر بالحاجة لإظهارها في كل وقت. في المقابل، الشخص المغرور غالبًا ما يسعى للتباهي ويعتبر أن أي نقد هو هجوم شخصي، ويرى نفسه فوق الآخرين. لذلك، فالتدريب على تقبل النقد وعلى أن تكون قيمتي نابعة من تقديري لذاتي وليس على آراء الآخرين فيّ هو أحد أهم الأشياء التي يمكننا فعلها للتأكد من أننا على الجانب الصحيح
بل يمكنه أن يقبل نصيحة أو نقدًا دون أن يشعر بأن هذا يُنقص من قيمته.
أهذا يعني أن الشخص غير الواثق من نفسه يكون حساسا تجاه النقد ويرفض أن ينتقده أحدا؟ لأنه على العكس يظهر أصحاب الرافضين للنقد ثقة كبيرة بإمكاناتهم تجعلهم غير قابلين للنقد ظنا منهم بأن أعمالهم غير قابلة للنقد من الأساس لأنها مثالية.
الغير واثق من نفسه يعتمد على آراء الناس لتقييم ذاته. فالنقد يجعله يشعر أنه فاشل ولا يملك أي موهبة في المجال الذي تعرض للنقد فيه، وبالتالي فهو يسعى دائما لإرضاء الغير لكي يتلقى المدح من الجميع ليحاول سد تلك الفجوة في نفسه، أما المغرور فهو من يرفض فكرة النقد تماما ويعتقد أنه فوق الجميع.
أما الواثق من نفسه فهو شخص مدرك لقيمة نفسه ولنقاط قوته. وبالتالي فمدح الآخرين أو نقدهم لا يؤثر فيه سلبا مطلقا، فإذا كان النقد في غير محله لا يكترث له الواثق وإذا كان في محله يقبله ويعمل على تحسين هذا الجانب
أرى أن الثقة يجب أن تكون مرتبطة بالقدرة والتأثير، ولو لم تكن كذلك فهي غرور.
يعني أنا عندما أقول أنني من أفضل العاملين بمجال تجهيز المشاريع، وأفضل من هذا وهذا فلو كانت خبرتي وتأثيري كلاهما متناسب مع ما أقول فهذه ثقة، ولو لم تكن فهذا غرور.
وأرى أن السبيل الوحيد لنحمي أنفسنا من هذه الكارثة يكمن في أن نكون صادقين مع أنفسنا ولا نبالغ في التقدير حتى يتحول إلى غرور.
يعني أنا عندما أقول أنني من أفضل العاملين بمجال تجهيز المشاريع، وأفضل من هذا وهذا فلو كانت خبرتي وتأثيري كلاهما متناسب مع ما أقول فهذه ثقة، ولو لم تكن فهذا غرور.
ولكن الغرور قد ينبع أحيانا، بل وكثيرا من قدرة الشخص على إحداث التغيير والتأثير، فيظن المغرور أنه لتفوقه الشديد هو أفضل من غيره وعلى الجميع أن يتعامل معه من هذا المنطلق وإلا فسيكونوا قد ارتكبوا ذنب كبير، عليهم أن يعملوا كثيرا كي يتم إغفاره.
الثقة اذا كان لديها ما يبررها من حسن خلق وعدم تعالي على الاخرين مع تمكن كامل من العمل. فهي بعيدة عن الغرور
الغرور يبدأ بالتعالي على الاخرين والتعامل معهم على انه نسخة صنعها الاله بيده والاخرون لا.
الغرور يبدأ بالتعالي على الاخرين والتعامل معهم على انه نسخة صنعها الاله بيده والاخرون لا.
البعض يظن أن شعورهم بالأفضلية هو ضرورة لأنه يعني تقدير لذواتهم واستحقاق عالي لها، وهو ما آراه شيئا هام كذلك على كل إنسان أن يتحلى به، ولكنك كلامك هنا يجعلني أقول أن الاستحقاق العالي يجب أن يكون شعور يضمن للإنسان أن يسعى للأفضل، وليس ظنا منه أنه الأفضل فيتعامل مع الناس جميعا باستعلاء على هذا الأساس.
لا أفهم بالفعل بعض الناس، حيث تراهم متفوقين بالواقع في مجلات عدة، بالشكل الذي يجنبهم المقارانات، ويجلب لهم الطمأنينة وراحة البال، ويغنيهم عن استفزاز غيرهم باستعراض نجاحهم في كل صغيرة أو كبيرة، وانتقاص من إنجازات الآخرين حتى ولو كانت لا ترقى لمستوياتهم، بماذا يمكننا تعريف هذا الأمر، هل هو ثقة في النفس؟ أم غرور؟ أم تشفي في الغير أنه عاجز عن القدرة على مجاراتهم في النجاح؟ أم خبث ومكر يحاول به إحباط من حوله ليحول بينهم وبين تحقيق أي تقدم؟ أم ماذا؟
أنا برأيي أنه نقص في جانب معين من شخصية الإنسان لا يتم شفائه برغم ما يحققه من إنجازات أو نجاح ويكون في خوف دائم من كشف الناس لهذا النقص الذي يمتلكه لأنه يشعر أن هذا سيجعله ضعيفا أو يحط من قيمة ما حققه ويجعله محل شفقة أو شماتة، فيستبق بدوره الأحداث والنتائج ويحاول التستر على ما لديه من نقص بتسليط الضوء على ما يعتقده يمثل نقصا لدى الآخرين، فيعمل على إحباطهم ومعايرتهم بما حققه ويتفوق فيه ولا يستطيعون الوصول إليه.
صحيح رنا، لا بد أنه يعاني من نقص ما، أو مرض نفسي خفي لا يظهر للعيان، وكل ما يبدو أنه ناجح في جل مناحي حياته دراسة موفقة، وظيفة مرموقة، مال وفير، شكل خارجي مقبول، وحياة أسرية مستقرة، عيبه الوحيد، هو خوفه من نجاح الآخرين، فتراه دائم البحث عن نقائص الغير والجهر بها، دون مراعاة مشاعرهم، والاعتداد بنفسه بمناسبة أو من دونها.
التعليقات