ما بين إنكار الذات كخيارٍ واعٍ وإنكارها كنوع من التضحية، نقع في حيرة لاختيار الأصلح من بينهما؟
ما الفارق الذي تراه بين المفهومين؟
برأيي الفارق بينهما موجود بالعنوان وهي الرغبة في التضحية والإجبار عليها، الأولى قد تكون بهدف المسؤولية او الالتزام مصحوب بحالة من الرضا والشعور بالإنجاز مثل تضحيتنا من أجل اولادنا، هنا مهما ضحينا لا نشعر بالاستنزاف ولا نشعر بالندم على ما قدمنا.
على عكس الثاني والذي قد يكون فيه تخطي على حاجاتنا الأساسية، أو راحتنا مثلا زوج يجبر زوجته على خدمة والدته، تفعل هي مجبرة فقط من أجل تجنب الخلاف معه، مع الوقت ستشعر بالاستنزاف وسيؤثر سلبا على نفسيتها واستقرارها النفسي
مع الوقت ستشعر بالاستنزاف وسيؤثر سلبا على نفسيتها واستقرارها النفسي
غالبًا ستكون نتيجة هذا أنها ستأتي عند لحظة ما وتختار نفسها وتنهي عندها هذه الدوامة من إنكار الذات الذي تمارسه مرغمة وليس طواعية منها.
ليس الكل قادر على ذلك، لي صديقة تحكي عن والداتها وحجم التضحيات وأنهم كبروا ويريدوا رد الجميل، وتشتكي ان والدتها ترفض أي شيء، هدية، أو حتى خروجة، وتصمم على أن تظل بنفس الأسلوب، أحيانا ما يغرس فينا بالصغر يكون هو المحرك لنا،فهي ترى ان الام هي التي يجب أن تضحي دائما وأبدا
اعرف ان الام هنا تضحي برضا، ولكن أيضا لكل مرحلة وقت ويجب أن ينتهي
الفرق بين إنكار الذات اختيارا وإنكار الذات قسرا هو ذاته الفرق بين الإيثار والإكراه.
فالمؤثر قد يسلك هذا الطريق عن قناعة، ساعيا نحو هدف أسمى حدده بنفسه بوضوح، كحال شاب يدافع عن وطنه في ساحة المعركة، أو امرأة ترفض الزواج بإرادتها لتعتني بوالديها، وغيرها من الأمثلة العديدة.
أما الإكراه، فيحدث عندما يُجبر الشخص على القيام بما لم يكن يضعه كهدف له، ولكنه يضطر إلى ذلك لانعدام البديل. كإجبار الشباب على التجنيد لخوض حروب لا يرغبون فيها، أو امرأة ترفض الزواج تحت ضغط العائلة أو الظروف لتعتني بوالديها لغياب الخيارات الأخرى.
وهناك حالة ثالثة في منتصف الطريق بينهما. أحيانًا يكون إنكار الذات أداة للانضباط.
ليس كل إنكار للذات هو لأجل الآخرين. أحيانًا يكون لمصلحة الذات نفسها، وتقريبًا هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن يجمع فيها إنكار الذات بين الطوع والكراهية في الوقت ذاته، كأن تقسو على نفسك و"تنكرها" لمصلحتها كشكل من أشكال التقويم.
الفرق الأساسي يكمن في الدوافع والشعور الداخلي لدى الشخص تجاه التضحيات التي يقدمها، كيف يرى نفسه؟ إنكار الذات كخيار بإرادتنا يتطلب جبل من الإيمان، ينبع من قناعة داخلية وإرادة حقيقية تدفع الشخص إلى تقديم ما لديه برضا وسعادة، لأنه يشعر أن ذلك جزء من رسالته الشخصية أو هدف يسعى إليه، قلة من يفعلون ذلك ومعظمهم امهات أو متصوفة
في هذا السياق، يرى الشخص أن تضحياته تضيف قيمة لحياته ولحياة الآخرين، فيجد متعة ورضا في العطاء، ويشعر بأنه يتحكم بقراره وأن لديه الحرية الكاملة في اختياره، غير هذا السياق كله أمراض نفسية صعبة
إنكار الذات لو كان بإرادة فهو مدفوع بهدف له قيمة أو له مبرر واضح وقوي يكفي لأن يدفع صاحبه له، أما لو كان قسري فهو سلبي.
ولا أرى أن هناك فارق بين إنكار الذات بوعي أو بدافع تضحية لأن كلاهما نابع من قرار وكلاهما يمثل استجابة إيجابية.
السلبية الوحيدة تكمن في أن أضطر لإنكار ذاتي مضطر لأن أحدهم لا يرى اثري أو لا يشعر بوجودي أو لا يقدر فعلي وإنجازي مثلاً.
التعليقات