من الحكم العطائية الرائعة حكمة ابن عطاء في العزلة إذ يقول:
" ما نفع القلب مثل عزلة، يدخل بها ميدان فكرة"
ما رأيكم في الحكمة؟ وحدثوني عن تجارب عزلتكم وماذا وجدتم فيها؟
راقت لي هذه الحكمة ، يشفى القلب وينضج العقل بعزلته اكثر، يفهم نفسه و ما تريده بالضبظ.
تقريبا كل الاوقات معزولة والساعات التي اقضيها وحدي في غرفتي من دراسة وكتابة ونوم جلها في الغرفة منعزلة، نادرا ما اخرج الى الخارج الا اذا اضطريت الى ذلك، وجدت في هذه العزلة السكينة وراحة البال، فهم النفس، التخطيط، الانتاجية والكثير من الامور النافعة.
كثيرًا يا دليلة، فأنا أقوم بهذا الأمر من حينٍ إلى آخر. وعلى الرغم من كوني محبًّا للاختلاط بشكل كبير، وأحافظ دائمًا على مواعيد مقابلة الأصدقاء والسمر والترفيه، فإنني في العديد من الأحيان أشعر بأنني في حاجة إلى هذا النوع من الاستشفاء. العزلة بالنسبة إليّ ليست بالأمر السيّء أو المرهق، وإنما هي دورة استشفائية يمكننا اللجوء إليها من حين إلى آخر لتحسين حالتنا المزاجية، ولعلّ أفضل ما قيل عن العزلة بالنسبة إليّ كانت المقولة الشهيرة والرائعة للفيلسوف فريدريك نيشتة، حيث قال:
إذا كنت تشعر بالوحدة عندما تكون وحدك ، فأنت في صحبة سيئة.
البشر على سلم متدرج من الانطوائية والاجتماعية, لذا قد يجد الانطوائيون عزاءهم في هذه المقولة وهم يتخبطون في كنف عالم مكتظ بالضجيج السمعي والبصري على مختلف أصنافه.
بالنسبة لي كشخص اجتماعي نسبيا فإن آخر ما أرغب فيه هو العزلة, قد آخذ الحكمة من منظور آخر وأفسر العزلة المقصودة بالحكمة هي ذاك الطقس الممارس من طرف الجميع عند تدفق الأفكار, فما ينفعنا إلا عزلة فكرية حتى مع تواجد الآخرين من حولنا, فنعتزل المحيط لنغوص بأفكارنا.
أعتقد بأنه يجب أن نقسم العزلة إلى ثلاثة أنواع :
1 - العزلة عن الأشياء الضارة فى الحياة، وهى عزلة مفيدة للأنسان فكلنا نمر ببعض الأمور الضارة فى الحياة مثل بعض العلاقات المسمومة أو مواقع التواصل الأجتماعية التى تسبب الكثير من الإحباط اليومى، فكلها تتطلب منا العزلة والإبتعاد عن هذه الأشياء قدر المستطاع.
2 - العزلة من أجل التفكر العقلى والإدراك أى بمعنى معالجة نفسك بنفسك ، وهى نفس معنى الحكمة وتكون مفيدة جداً لحياتنا فكلنا نرى فى القرأن الكريم كلمة تتكرر بكثرة شديدة وهى " يتفكرون " فقد وردت في القرآن ثماني عشرة مرة والله أعلم، فهى من الضروريات من أجل مراجعة الأنسان لأمور حياته وتقييمها بشكل واضح مما يجعله قادر على معرفة سبب المشاكل ومواجهتها بقوة، وأيضاً عمل تغيير حقيقى للأفضل فى حياته الشخصية أو الأجتماعية.
3 - العزلة والإنطوائية الشديدة، وتكون ضارة جداً لأن الأنسان كائن اجتماعى بطبعه وموجود داخل مجتمع يعتمد على المشاركة فى أشياء كثيرة وهى أهم رسالة لنا فى حياتنا فمعنى السعادة الحقيقة يكمن فى مساعدة الأخرين فقط حينما ترى البهجة والإبتسامة على وجه الشخص الأخر بسبب مساعدتك له فأنك تنسى كل التعب المبذول، وأما بالنسبة لأنطواء بعض الناس بسبب الظلم من بعض الناس الأخرين فالحل هنا كما قلت فى أول نوع وهو الأبتعاد عن العلاقات المسمومة فقط وليس كل الناس.
في واقع الأمر اعتبر شخصيتي اجتماعية لا تتوافق مع العزلة ان تم تعريفها بانها الابتعاد عن الناس ومحدودية مخالطتهم او التعامل معهم.
وهناك عزلة ايجابية واخرى سلبية . واعتقد ان العزلة الايجابية تعني اعادة ترتيب الشخص لاموره والابتعاد عن مواقف ما حتى يتبين فيها الأمر والاستفادة من العزلة في ممارسة أمور ايجابية قد تم تأجيلها كثيرا قبل ذلك.
وهناك العزلة السلبية وهي العزلة الاجتماعية والانفصال عن الواقع وهذه العزلة تسبب الأذى النفسي والمعنوي والمرضي ايضا
أرى أن العزلة فضيلة لا يقدر عليها إلا قلة قليلة، ذلك أن "احتكاك الإنسان بالإنسان داخل المجتمع الواحد يؤدي حتمًا للتدنّس" كما يقول نيتشه، ولكن لنفرق بين الوحدة والعزلة، فالوحدة هي شعور أن الشخص لوحده بغض النظر عن وجود أشخاص حوله أو معه أم لا، أما العزلة فهي اختيار يمنحه المرء لنفسه لعدة أسباب، منها ليعرف ذاته، فأنت لن تعرف ذاتك من خلال الآخرين بل من خلال نفسك، ومنها لمراجعة أفعاله وخططه و أفكاره، وقد تكون للعبادة، وأحب بين فترة وأخرى أن أعزل نفسي عن الجميع، وعن مواقع التواصل الاجتماعي، وأجلس لوحدي في غرفتي لعدة أيام، وأعود بعدها للناس مفعمة بالطاقة كعملية إعادة شحن الذات، ودراسة الأمور من حولك، وأعتقد أن العزلة ضرورة ليست رفاهية أو تفضيل
وحدثوني عن تجارب عزلتكم وماذا وجدتم فيها؟
لم أجربها ولكنني أتوق لها، أي العزلة الحقيقية عن كل البشر والمشتتات وليس العزلة الجزئية التي قد ننعم بها لبضع ساعات وإن كانت مفيدة، أريد عزلة كتلك التي تحدث عنها أحمد الشقيري في كتابه 40 .
العزلة أمر مهم فنحن نحتاج البقاء مع أنفسنا قليلاً، نحاول فهمها وتقليبها وقرائتها، فكما أن للناس من حولنا حق علينا لأنفسنا أيضاً حق علينا، ألم تمرّي يوماً بفترة شعرت فيها أنكِ غير قادرة على فهم نفسك ؟ هذا بسبب ابتعادك عنها .
أحاول من حين إلى آخر إختلاس اللحظات التي أبقى فيها مع نفسي في بيئة هادئة أفكر أو لا أفكر في شيء فقط أبقى هادئة وساكنة، مثلاً أقوم بالتجول في الحدائق الغناء، أسهر في قراءة كتاب، أو أجلس قرب النافذة أتأمل حركة العصافير .
يقول ابن زيدون :
واغتنم صفو الليالي
إنما العيش اختلاسُ.
هذا تماماً ما أفعله .
العزلة مع التأمل و التفكير والثقافة والابداع كما حدث في رواية الرهان للكاتب القصصي أنطون تشيخوف قد تكون بها شيء مهم حيث انك تصل الى الحقيقة والحكمة الكاملة. ربما هذا هو السبب الوحيد الايجابي في العزلة.
في المجمل لست من محبي العزلة ففي كثير من الاحيان تقود الى السلبية وتورد المشاكل النفسية. ولكن قد تكون جيدة احيانا و لبعض الوقت كي نستطيع الابداع مثل الادباء في كاتاباتهم والرسامين في لوحاتهم. ولكني مازلت ضد العزلة فهي سلبية وخطيئة يرتكبها الانسان على نفسه.
التعليقات