من أصعب الأمور التي تواجهنا في حياتنا هو كيفية مواساتنا لصديق مفجوع نتيجة وفاة أحد أفراد عائلته، فهنا كيف لنا ندعم هؤلاء الأصدقاء؟ ما هي العبارات المناسبة لمواساتهم؟
كيف يمكنك دعم صديقك المفجوع؟
مشاركة هذا النوع من الألم من أصعب المواقع، مهما تكلمت ومهما قلت ستجد نفسك لا تساوي شيئا أمام ما يحمل قلب المفجوع.
بالنسبة لي لا أستطيع التواصل في هكذا حالات، أرتبك وأحتار وأضيع في خضمّ أمواج ألم الآخر وأغرق...
دائما ما أكتفي بقول: ربط الله على قلبك، لأنني أعرف أن كلماتي لن تخفف ذرة من جحيم ذلك الوجع، ومن أسوء ما يفعله البعض هو الطلب من المفجوع أن لا يبكي وأن لا يحزن، وأن الخير في الشر وما إلى ذلك.
ولا يتركون الآخر يعبر عن ألمه وحزنه، يطالبونه بالكتم حتى تخف آلامهم هم لكن ماذا عن آلامه التي ستظل كاللغم الموقوت في قلبه.
يبقى البقاء قرب الآخر وربما البكاء معه والصمت معه ... يحضرني قصة السيدة التي دخلت على السيدة عائشة في حادثة الإفك وبكت معها ولم تقل شيئا، قالت عنها السيدة عائشة: لن أنسى لها ذلك.
يبقى البقاء قرب الآخر وربما البكاء معه والصمت معه ... يحضرني قصة السيدة التي دخلت على السيدة عائشة في حادثة الإفك وبكت معها ولم تقل شيئا، قالت عنها السيدة عائشة: لن أنسى لها ذلك.
برأيي هذا أفضل ما يمكننا فعله في هذه الحالات فعلًا يا دليلة. أنا أيضًا ممن يرتبكون ولا يعرفون ماذا يجب قوله في مثل هذه الحالات، ولا أرى أصلًا أن الكلمات قد يكون لها أي جدوى في التخفيف عنهم، لذا وجودنا قرب الأشخاص الذين نهتم بهم وقت الفواجع ومشاركة حزنهم هو أصدق تعبير عن المحبة وأفضل رسالة لهم بأنهم ليسوا بمفردهم.
أنا أيضًا ممن يرتبكون ولا يعرفون ماذا يجب قوله في مثل هذه الحالات، ولا أرى أصلًا أن الكلمات قد يكون لها أي جدوى في التخفيف عنهم
أذكر موقفا لإحدى الصديقات توفي والدها، وذات ليلة استيقظت ووجدت منشورا لها على فيسبوك كان يصف حالتها وكان موجعا جدا، أذكر ليلتها كم بكيت تعاطفا معها لا أدري حزنت جدا من أجلها.
واكتفيت برسالة بسيطة والسؤال عنها، وكم كانت ممتنة على رسائلي لقد وصلها شعوري.
فهنا كيف لنا ندعم هؤلاء الأصدقاء؟ ما هي العبارات المناسبة لمواساتهم؟
لقد تعرّضتُ للأمر منذ بضعة أشهر يا صديقي، وقد كان الحدث مربك بشكل كبير لأنه لا أحد بيننا لديه رغبة في أن يرى كم الحزن والافتقاد في أعين أشخاصٍ يحبهم.
بالنسبة للعبارات فأنا أرى أنها تعتمد على الشخص نفسه الذي نواسيه، ومدى قربه منا وفهمنا له. أمّا بالنسبة لما يمكننا فعله، فأنا أفضّل الخطوات الجدّية في هذا الصدد، والتي من أبرزها العمل على ترفيه الشخص بعد فترة من الحزن، فندعوه للخروج مثلًا أو نحضر له هدية. حاولتُ من هذا المنطلق وحمّست بقية الأصدقاء للقيام بذلك معه، وقد استطعنا فكِّ بعضٍ من كربه في هذه الفترة من حسن الحظ.
يعلم كلّ رفاقي أنني أكره المشاركة في هذه المناسبات، كما أوصيت الجميع بعدم مشاركتي بالأمر تحت أيّ ظرف.
في مصائب الفقد والفجيعة، وبعد الكلمات المعتادة.. لا أجد أكثر من عبارة (قلبي معك) لأقولها وأنا أعني بكلّ ما أحمله من أعماقي أنني أشاركه تلك الفجيعة.
وإن كان مصابه في خراب كحادث أو حريق أو مصيبة ما، لا أجد سوى عبارة (اؤمرني بتلاقيني حاضر، سأعتب صدقاً إن لم تفعل).
أما لو كان في مشكلة مع أحدهم، من نوعية تلك المشاكل التي قد تضرّ بمستقبله أو إن تأذى نتيجة بطش أحدهم، فالعبارة التي أكررها دوماً (عصاك الي ما تعصاك، وحزام ظهرك، قول يا رب واعتبرني من رجالك).
يعني تلك هي المفردات التي أستخدمها مع أولئك الذين يعنون لي الكثير وأرغب بصدق مشاركتهم مصابهم مبدية استعدادي للبقاء جوارهم بغض النظر عن النتائج.
يعلم كلّ رفاقي أنني أكره المشاركة في هذه المناسبات، كما أوصيت الجميع بعدم مشاركتي بالأمر تحت أيّ ظرف.
ألا ترين أن هذا التصرف ليس في محله، صديقك بحاجة إلى أن تواسيه والوقوف إلى جانبه. أليس الصديق في وقت الشدة ايناس، بعد عمر طويل توفي أحد أقاربكِ ألا ترين في هذه اللحظة بأنه بحاجة لتسند ظهرك عليه!
توفي لي جداي وجداتي وأحد أعمامي ولم أخبر أحد، ولا أحب تلك المشاركة فيها بخصوصي.
أعني بالمشاركة في هذه المناسبات.. أنني لا أحب الذهاب للعزاءات.. أكتفي باتصال هاتفي وأحياناً أفضّلها رسالة وليس حديث..
أدرك أنّ الأصدقاء موجودون للمساندة.. ولكن أعلم يقيناً أنني أعجز بهذه المواقف أن أقوم بهذا الدور.. لا أعلم كيف ستفسر الأمر، لكنني لا أستطيع حضور جنازة أو الذهاب لبيت عزاء، كذات ما أنني لا أحب مواساتي بهذه الأمور.. أفضل الانعزال وعدم التواصل مع الآخرين.
اسمح لي بأن أنقل تغريدة كتبتها امس على صفحتي في الفيسبوك .. ربما تجد فيها ما تبحث عنه ان شاء الله.
في إحدى الأيام التي تحدثت فيها مع أخي بيان الأغا أبوسليم داخل غرفة العزل في العناية المركزة ، وأعتقد قبل اسبوعين من وفاته، طلب أن توضع سجادة الصلاة على صدره وأن يفتح له القرآن الكريم، كانت زوجته صبرها الله تقرأ له القرآن تارة وتفتح له الجوال ليسمعه منه تارة أخرى.
كان يردد معي عبارات قصيرة كالحمد لله لا حول ولا قوة الا بالله الحمد لله.
وفي اليوم الأخير في النصف ساعة الأخيرة ما بين وفاته حتى نقله من العناية المركزة مرت دقائق صعبة عايشتها مع اسرته، كانوا جميعهم صابرين ومؤمنين بقضاء الله ولا يتوقفون عن الدعاء.
لقد التقينا جميعا في الدقائق الأخيرة، كل من كنت اقابلهم في فترات زياراتي لأبوسليم في 30 يوما مكثف فيها بالعناية المركزة.
كان موقف صعب لا يقل صعوبة عن اتصال كان بيني وبين الأخ الدكتور زكريا الأغا عم المرحوم ابوسليم وكان ذلك قبل 72 ساعة من وفاة أبوسليم، 4 دقائق من الاتصال كنت وهو نشرح الحالة ونحن نعرف أنها النهاية.
رحم الله أخي ابو سليم بيان الأغا وأدخله الفردوس الأعلى. فبرغم ما كنا نعرف من صعوبة مرضه وتداعيات ذلك، لكنه كان صابرا وجسورا وشامخاً.
سؤال كهذا من أصعب الأسئلة على الإطلاق، وحقاً مهما كتبت هنا واسترسلت فعندما يقع الأمر على أرض الواقع، يتجمد الدم في عروقي، فينتفي التفكير من دماغي و أصبح في سطوة الموقف و زخم المشاعر، وحينها ومع انفلات المشاعر والضغط المختلط بالحزن والأسى يصبح من الصعب عليك اختيار الطريقة المناسبة لمواساة هذا الشخص المكلوم.
بالنسبة لي أحب أن أترك الحرية للشخص في التعبير عن حزنه، و لا احاول تهدئته لكبح تلك المشاعر من الإنهمار عبر عينيه، إلا إذا زاد عن الحد و تجاوز البكاء حينها أحاول السيطرة على الموقف، وأقوم باستمرار بتذكيره بالله وبحكمته وقدره ورحمته البالغة، وأذكّره أن ميّته ينتظر منه الدعاء الآن و لا شيء آخر .
التعليقات