بدأت اللغة العربية ألسنة متقاربة في كثير من الألفاظ والمعاني متباينة في خصوصيات لهجية متعددة، ومتأثرة بالجوار غير العربي في اليمن والشام وبلاد الرافدين، ففي اليمن تأثرت اللغة القحطانية بالسبئية القديمة والحبشية، وتأثرت مناطق الحيرة وبلاد الرافدين بالفارسية، وكان للروم تأثير في اللسان العربي في فضائه الشامي، حتى نقل عن أبي عمرو بن العلاء قوله “ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا”.

وكانت مناطق الجزيرة العربية منطقة صفاء اللغة العربية، وكان اللسان القرشي، والذي نزل به القرآن في كثير من ألفاظه وسياقاته اللغوية صفوة اللغة العربية التي استقرت عليها نواميس الضاد وقواميس الفصحى.

ازدهرت اللغة العربية لسانا في الجزيرة العربية، وأبدع العربي البدوي في التعبير بها عن رؤيته للأشياء والحياة والمشاعر، فكانت رفيق العربي في طراد أسراب الظباء النافرة، وفي قراع السيوف وتراشق النبال، وهي قاموسه الفواح الذي يفيض عليه بأرق الألفاظ وأعذب المعاني وهو يكابد سورة العشق، أو قسوة الغربة أو مرارة الأسر، وهي لسانه الفخم وهو يصوغ حكمه المستقاة من حياته المتموجة كرمال الصحراء، والمنسابة كشعاع كواكبها على المسارب والغُدْران.

غير أن اللغة العربية قد ارتقت كثيرا وتسنمت معاريج الجلال والجمال بعد أن اختارها الله تعالى لسانا لكتابه العزيز، القرآن الكريم، لقد منح هذا الكتاب العظيم المنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم أسمى آيات الرقي والتطور للغة العربية، وفرش لها مهاد القلوب، فانسابت إليها يتلو بها المسلمون آيات الكتاب المقدس، ويرتقون بها في مدارج العبادة، ومسالك الإصلاح.