محاولة تعليم الأطفال للُّغات الأجنبية قبل تمكينه من اللغة العربية،وتلميع صورة تلك اللغات بعينيه منذ الصغر إنتحار لغوى ونفسى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هذا يُنتج لنا جيل مُنهزم فكريًا وضغيف نفسيًا يرى نفسه مُنطفئًا بجانب شخصية الأجنبي البرَّاق ولن يزول إنطفائه إلا لو كان مثله ـ وهذا طبيعة فى نفس الإنسان، فالنفس تميل إلى القوى لا الضعيف ونحن كعرب قد أضعفونا بالحصار والسلب الفكرى والمادى والعلمى وأضْعفنا أنفسنا بالإنهزام لهم ـ فيسعى لتقليده والتسليم بكل ما يفعله لينول من لمعانه الكاذب ـ وهذا يؤدى بطبيعة الحال إلى إنحلال فكرى من كل ما يربط ويُقِّوم هذا الفكر من الدين والأخلاق والعادات الحسنة،فترى عربىٍ كان يقيم الحروب عندما يُنتهك عرض ابنته ببيتين شِعر قالهم فيها شاعرٌ شجِنٌ قد هام ورام بها ،قد تحوَّل وصار عربيًا لا يُبالى بأن تُصادق ابنته الرجال وكأن لسان حاله يقول: وإيه يعنى لما تصاحب بطلوا رجعية بقى وشوفوا العالم المتقدم وصل لفين وانتوا لسة هنا.

يجب أن نعرف جيدا بأن اللغة هى نافذة الثقافة وأنها هى باب العبور إلى الفكر ولذلك؛ فعندما تجعل الطفل ينخرط بتلك اللغات فلابد من إندماجه بثقافات أهلها والتى سيكون الطالح منها غالبًا على الصالح بلاريب، ببساطة لأن الناجح لن يُهديك أسباب نجاحه على طبق من ذهب ليرفعك وإنما سيُلَمِّع لك ما أوقعه فى تجاربه سابقًا ليُوقعك.

إضافة لهذا؛ ينتج لنا جيل معاق لسانيا يخجل من عروبته ويرى حب الشعر وتفضيل الشعراء من الغواية واللغو، ويسخر من لهجته الأصيلة ولا يبالى بالإخطاء فيها فتجده يكتب: اللهم صلى على محمد و شكرن… بل ويستنكر عليك إن صححت له. بينما يسخر منك ويُحرجك لو قلت إنترڤيو بدلا من إنرڤيو، وهش عديم الثقة يجعل بين كل كلمتين عربى كلمة إنجليزى أو فرنساوى لكى يدعم هشاشته وضحالته المعرفية بقليل من الثقة الخدَّاعة.

طلب على قدر بساطته حيرنى وحير الناس معى وهو: أنا عربى، إذا كلمنى بلسانى وكفى.

طبعا أنا لا أُقلل من شأن تعلُّم اللغات فنحن بلاريب نحتاجها ولو لم تكن ضرورة لما طلب الرسول ﷺ من زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، اقول: هناك فارق كبير بين أن اتعلّم اللغة وبين أن اجعل اللغة تُمثلنى وأن أتقولب فى قوالبها، فمثلا طالب اللغات أو أى مجال آخر يُحتاج فيه إلى الإنخراط مع اللغات الأخرى لكى يتعلم ويُفيد أمته بعلمه وهنا لا بأس فى دراستها والعمل بها داخل حدود المكتب ومكان العمل ومدرجات الكلية، ولكن عندما أكون مع زميلتى بالمواصلات أو مع امى وابى أو زوجى وأولادى بالبيت ليس من الضرورى أن أقول كلمتين عربى وكلمة انجليزى، هنا يكون الضعف،وهنا تكمن الطامة وهذا هو بيت القصيد.

ستقول لى: اللغة ممارسة لازم اتكلم انجلش عشان اتقنه. أقول: مارس اللغة عند تعلمها وفى وقت تخصصه لها وليس فى المواصلات وعلى مائدة الطعام!!.

طلب الرسولﷺ من زيد تعلم اللغة لسببين، اولهما: لأنه قادر عليها، حصيف العقل، متقد الفكر، فكفاك تقليلاً من شأن من لا يتقنها فليس الجميع فى القدرة على هذا سواء، والثانى: أنه كان هناك داعى الى تعلّمها وحاجة ماسّة إلى ممارستها، ليس لأجل إلصاق أنفسنا بهم فى محاولة بائسة للتثقيف الوهمى من شخص مغلوب بالإقتداء بمن كان السبب فى غَلبته، أو للتباهى بها واستخدامها بغير داعى، فكن عزيزا بلغتك ومحيطك ولا تجعل ذُل الغالب للمغلوب يتسرب اليك وتذكر أن من عقوق المرء لأمته أن يفضل الحديث بغير لسانها.