مرحبًا يا رفاق!

غِبنا عن الجلسة الشعرية ولكننا لم نغِب عن الشعر بكل تأكيد، فما رأيكم أن نأكل الشعر اليوم؟ باليد أم بالملعقة؟ ...

يا واصف الأكل كُفيت الملام

كرّر على سمعي لذيذ الكلام

وغنّ عني في الورى مُعلناً

ما طاب وقت قد خلا من طعام

يقال من أحبّ شيئاً أكثر من ذكره، فكيف بشاعر أحبّ المطبخ والطعام؟ فللطعام وجود أنيق في الأدب العربي بشِعره، وفي جلسة اليوم لن نتجاوز المطبخ على الإطلاق ولكننا سنتناول وجبة خفيفة من صنوف "الشِّعر"، هيّا بنا!

الغزل، الهجاء، الحكمة.. كلها أغراض شعرية لها روادها، ولكن تخيّل معي أن يُعرَف شاعر بالطعام! هذا ما حدث مع الشاعر البارع مصطفى زين الدين الحمصي، فإلى جانب ضلوعه وشهرته بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم والغزل، عرف أيضاً بقصائد في مدح الطعام كان يعارض بها معاصره الهلالي (محمد بن هلال) آنذاك حتى يقال أنه عرف بالجوعان، ومن أبياته الطريفة في حب وجبة المحشي الشهية:

أكل المحاشي صنعتي وفعالي

والرز لي فيه وسيع مجال

للأكل أهل لا يجاوز غيرهم

أيديهم فيه كما الفصال

*سبق وأن ذكرت أبياتاً أخرى عن القطايف والكنافة في مساهمة سابقة لذيذة عن الحلويات الرمضانية، يمكنكم أن تهبطوا عندها من هنا:

..

الطبخ في الشعر أيضاً !

من الكتب الشعرية اللطيفة التي ما زلت أقرأها كتاب أدبيات الشاي والقهوة والدخان ل محمد طاهر بن عبد القادر الكردي المكي، الذي جمع فيه مجموعة سخية من الأبيات في وصف الثلاث عناصر السابق ذكرها، وسبق أن اقتبست منه أبياتاً ممتعة عن ثنائي الكافيين القهوة والشاي في مساهمة سابقة لي عنهما، الرابط لمن أراد القفز إليها:

أثناء تجوالي الممتع بين صفحات الكتاب، وجدتُ أبياتًا ظريفة تصف إعداد حلوى عربية معروفة بالعصيدة، يقول فيها شاعرنا الظريف أحمد بن أمين مقتسماً المكونات مع صديقٍ له:

إن شئت مني عصيداً ماله مثل

لها شروط بها قد يحسن العمل

منك الدقيق ومني النار أضرمها

والماء مني ومنك السمن والعسل

كما يوجد عدد كبير من المؤلفات في الطبخ في الأدب العربي لا يسعني تعدادها جميعاً، وربما هناك ارتباط من نوع ما -من يدري- ما بين أفضلية الشعر العربي على غيره، وأفضلية المطبخ العربي الزاخر بالنكهات "هذا رأيي، لا تثوروا عليّ".

من ناحية أخرى، نرى من الشعراء الزهّاد أبياتاً في ذكر الطعام ولكن ليس على وجه المدح والوصف المتلذذ به، كهذا البيت لحكيمنا المعرّي:

فَبُعداً لِنَفسٍ لا تَزالُ ذَليلَةً

لِحُبِّ شَرابٍ أَو لِحُبِّ طَعامِ

وأخيرًا، اللهم أطعم كل من جاع من إخواننا في كل بقعة من هذه الأرض.. من فصلتنا عنهم الجغرافيا والسياسة وبقيت رابطة الأخوة تنخر كل سعادة لا يقتسمونها معنا، كن معهم إلهنا.

والآن لننهِ جلستنا الشعرية هنا حتى يجمعنا لقاء آخر قريباً.. وحتى ذلك الحين أطعموني شِعراً يا رفاق!