لا شكّ أن قضيّة فِلسطين في حاجة إلى غير المراثي وتعابير الأسى، ولكن كل ما يمكن قوله من هذا القبيل إنّما نقوله لمواساة أنفسنا، وفي ذلك قلت:
إذا اشتدّت الأرزاء واحتدم الأمرُ
وأنزل بعضًا مِن نوائبه الدّهر
فلا تنْسَ مَن هُم بعدُ منه بمحنةٍ
عبوسٌ لهم لكن وجوههمو زُهر
مرابعُ نُعمى في فِلسطينَ أصبحتْ
مراتعَ ظلمٍ ليس يصرفه الدّهر
فكم صبرتْ فيها على الغيّ أنفسٌ
وكم من دماه قد روى أرضها حُرّ
فليس لعينٍ إذ تراه سقى الثّرى
دماه وبالعَبْرات لمْ تسقِه عذر
تراهم على حِلمٍ وقد جزع الورى
فما زاد فيهم من خطوبٍ سوى الصّبر
فلا أوهنتْ في عزمهم غضبة العِدا
ولا فَتَّ في أعضادهم منهمو مكر
عدوٌّ لهم في القتل واجدُ لذّةٍ
كأنّ الدّم المسفوك منهم له خمر
عليهم رمى نيرانه حين غِرّةٍ
كذلك قِدْمًا كان مِن فِعله الغدر
يدكُّ بيوتًا فوق أشلاء أهلها
ففي كلّ قلبٍ مِن لظى قصفِه جمر
يودّ بأن القوم بادوا ورسْمُهم
عفا وديارٌ قد أقاموا بها قفر
فما علموا إن أسبَل اللّيلُ سِتره
تراه عليهم بعدها يطلع الفجر
فكم من وليدٍ قد أريقت دماؤه
فإن لم تُرق قد بات يُرجفه الذّعر
فيا عجبًا للدّهر إذ نال خيره
دنيئ الورى في نفسه يُظمَر الشّر
وتشقى لديه كل نفسٍ زكيّة
فترهقها البلوى ويَلثمها القبر
وتحلو حياةٌ للذي ساء فِعلُه
وعيش الذي لم يجْنِ سيّئةً مُرّ
كأنّ جميع النّاس في راحة الرّدى
حصًى نُثرتْ ما اختير منها سوى الدّرّ
إذا هو لم ينصِف بحُكمٍ على الورى
فليس لهُم في ذاك نهيٌ ولا أمر
عجبتُ لحال المسلمين فإنّهم
قليلٌ لهم فعلٌ ولو أنّهم كثر
غثاءٌ على سطح العباب وقولهم
كمِثل غمامٍ مُرعدٍ ما له قَطْر
كأنّ غطاءاً فوق أبصارهم وفي
أياديهمو غلٌّ وآذانهم وقْر
وأمّا الذي ما بينهم من كراهةٍ
فمنه أياديهم مضرّجةٌ حمر
لَعَمرُك إنّا نحن أفقر أمّة
فلم يَبقَ فينا ما يُنال به الفخر
وليس بفقد المال فقرٌ يعيبنا
ولكن بفقد العزّ ذلكم الفقر
رأيت الورى للجور قد ركنوا ولا
يعزّ عليهم من ألمّ به القهر
ولَم يعْلُ للإنسان شأنُ حضارةٍ
ولَم يرْقَ عن درْك الوحوش به العصر
فما هي إلّا شِرعةُ الغاب مَن يكن
بها دون بَأسٍ ليس يعصمه بَرّ
مِن النّاس من حازوا بأيديهم الدُّنى
ومِن شرف الأخلاق أيديهمو صِفر
بقلم: محمد ياسين الشريف من تونس.
التعليقات