مرحباً يا أصدقاء. من منا لم يتعرض يوما ما إلى ابتلاء؟ من منا لم يشعر بقسوة القدر ويتألم نفسياً أو جسدياً؟ بالطبع كلنا. ولكن المهم كيف نحول تلك الآلام والابتلاءات إلى طاقة إبداع. هذا هو السؤال المحوري كما يقول شكسبير.

 ولكن بعضنا قد يتغلب على الآلام والابتلاءات ويُحيلها إلى وقود يحترق داخل نفسه ليدفعه دفعاً إلى مزيد من الإبداع بينما البعض الآخر يظل حبيس آلام جسده ونفسه ويتحول إلى الشكوى والشعور بالمظلومية من المجتمع ومن القدر فيتسخط عليهما فيتحول ابتلاءه إلى ابتلاءات وألمه الواحد إلى آلام مختلفات. بل أن بعضنا قد ينبذ حياته كليةً فينتحر تحت وطأة الابتلاء.

  وهذا ما لم يفعله كثير من ذوي الإرادة. أسمع معي الشاعر بشَار ابن برد يقول: 

 عميت جنيناً والذكاء من العمى     فجئت عجيب الظن للعلم مؤئلا

وغاض ضياء العين للعلم رافداً    لقلب إذا ما ضيع الناس حصلا

 فالشاعر هنا يفخر بعماه وبدلا من أن يكون ذلك الابتلاء بفقدان البصر مثبطاً عن ممارسة الحياة يكون دافعاً إلى تحصيل معالي الأمور. فقد ولد أعمى فجاء لا كباقي الولدان وإنما عجيباً في تحصيله واستحال نور البصر المفقود إلى رافد يغذي قلبه الذي بات يعي العلم فلا يفلت منه حرفاً.

 خطر ببالي ساعتها أن كل مبتلى بتشوه جسدي أو عمى أو صمم قد يتخذ خطوة إيجابية ويتخذ من مواضع آلامه وقوداً ينير له الطريق فيشحذ مَلَكاته الأدبية والعلمية فيفوق غيره من ذوي البنية السليمة. ألا ترون أن ذلك ما نراه عند طه حسين مثلاً وعند أبو العلاء المعري؟ فكما تعلمون، هما صنوان في العمى والنبوغ الأدبي. كذلك، خطر في بالي ستيفن هوكينغ صاحب نظرية الانفجار العظيم، الذي كان يعاني من مرض التصلب اللويحي.

 اطلعت مؤخراً على كتاب لكاتبة أمريكية بعنوان فضل الألم (Privilege of pain) فأوردت نماذج كثيرة لمبدعين حولوا الآلام والابتلاءات إلى طاقة إبداع. فالإسكندر الأكبر عانى من الصرع وكذلك كان يوليوس قيصر الذي كانت نوبات الصرع غالباً ما تأتيه في قلب المعركة. ومن بين الشعراء الخالدين عددت الكاتبة الشاعر اللاتيني هوراس إذ كان شديد وهن البنية وكان ميلتون صاحب الفردوس المفقود أعمى. أما جون كيتس، بالرغم من مرض السل الذي ظل يصارعه حتى أرداه قتيلا وهو في الخامسة والعشرين، أصبح الشاعر الرومانسي الفذ ! كذلك هيلن كيلر كانت عمياء وصماء وبكماء فأصبحت معجزة البشرية!

فهل ترون أن الابتلاءات وشدائد الحياة تجعل المبتلى يشحذ أسلحته للمقاومة وتغيير الواقع أم قد يكون الابتلاء من الشدة بحيث يثبطه ويفل عزمه بل ويجعله ينبذ حياته أصلاً؟ هل لديكم أمثلة من واقعنا المعاش؟ متى يكون الابتلاء نعمة ومتى يكون نقمة؟