قد يستلِذُّ الفتى ما اعتاد مِن ضَرَر
 حتى يرى في تَعاطيهِ المَسَرّاتِ

عجيب هذا البيت الذي أفرزه لنا قلم معروف الرصافي، فقد قعدت أفكّر في ماهية هذا الضرر الذي قد يستلذّ به المرء حتى بدت لي الفكرة غير منطقية على الإطلاق، فلربما اعتاد الفتى ما يلقى من مساوئ ولكن كيف يصل إلى مرحلة تصبح فيه هذه الأضرار مدعاة لسروره ولذته ؟

حتى وجدت الإجابة في مطلع القصيد القائل فيه :

كل ابنِ آدم مقهور بعادات
لهنّ يَنقاد في كل الارادات

ووجدت باقي إجابتي في تكملة الأبيات والتي شاركَنا فيها بعضاً من العادات ذات الآثار المدمرة والتي ما إن نقع في شباكها حتى نعتادها بل ونستأنس بها، كمن يلقي بنفسه بين ألسنة النيران وهو يضحك، فيعدد لنا المُسكرات، والتدخين الذي يشكّل لديه مشكلة لا ينجو منها، واصفاً نفسه وأشباهه بالحماقة .. هل أنتم أسرى لعادات سيئة ؟

من جهة أخرى، نجد في مرّ هذه الحياة أحياناً ملاذاً لطيفاً لنا، ففي مرارة القهوة سكوناً نستلذّ به، وفي مصاعب العمل نجاح مرضٍ وأجرٍ مجزٍ، وفي شقاء الأب ابتسامة أبناءه الفاتنة، وفي هذه الدنيا لا نحصل على الملذات إلا بتجرع كؤوس من التعب والصعوبات، وهي نظرة مغايرة تماماً لما طرحه الرصافي في قصيدته ولكن يمكن الأخذ بها أيضاً .

ولأنني لا أحب التقيّد بفكرة واحدة سأشارككم تفسيراً آخراً توصلت إليه، ألا يمكن أن نستخدم هذه الأبيات للإشارة إلى أذى المحبين، أي أن هذا الضرر الذي نلقاه بقربهم أحنّ علينا من مجابهة فراقهم وبعدهم، وكأنه يقول : زدني من أذاك كؤوساً، فإنني أستلذ بها وأُسَرّ، أو كقول بعيد ناله من الشوق ما أحرق جوفه: "أصبحت أتضور شوقاً إلى نزاعات وضجيج أخوتي بعد رحيلي عنهم" ما رأيكم أنتم في هذا الرأي؟