رأيتهُ أمس، يبدو أنهُ نجا بأعجوبةٍ يا دانيال. الكدمات تُحيط بجميع ملامحه، ويحمل في عينيه ثأرًا كبيرًا. حاولتُ منعه من خوض هذه الحرب، لكنّ جيناته تتغلغلُ بالإصرار. تحدّثتُ معهُ أمس بخصوص ذهابه إلى المختبر الإقليمي التابع للبلدة، قال لي إنه يريد أن يُثبت تلك الحقائق بواقعٍ ملموس. قُل لي يا دانيال، كيف بإمكان المرء إثبات الحقائق؟ طالما أنها حقائق مؤكدة، لماذا علينا دائمًا أن نخوض غمار التبرير؟
المشكلة ليست في التبرير ذاته يا تالين، الحقيقة القاسية أنه يريد التبرير لأناسٍ قلوبهم مليئة بالزيف. حتى وإن رأوا الحقيقة بأم أعينهم، لن يتقبلوها؛ فالزيفُ سمةٌ من سماتهم. يؤلمني كثيرًا رؤيته وهو يحاول بشتى الطرق أن يُقنع سكان "عالم الزيف" بحقيقةٍ واضحة كوضوح شمس الصيف.
على بُعد أميال من المختبر الإقليمي، يجلس بهدوءٍ غريب. تشعر من ملامحه أن رأسه مليء بالعواصف التي لا تُطاق. أَيُعقل أن تكون هذه نهاية جهوده؟ أم أن الشر يمكنه الانتصار؟ وهل فكرة هلاكه ليس بالضرورة أن تكون هنا، وأن الجزاء سيكون في الآخرة؟ سنوات كثيرة من التعب والسهر والفشل والمحاولة... هل يمكن أن تضيع هباءً هكذا؟
مرحبًا آيان، كيف حالك اليوم؟
عاجزٌ يا تالين. لقد رأيتُ جهودي تُسرق مني. كيف لهؤلاء أن يكونوا قساةً إلى هذا الحد؟ كيف للمرء أن يحيا وهو يتوغّل في وحلٍ من الزيف؟ سبعُ سنوات يا تالين... كرّستُ حياتي وجهدي وطاقتي لهذا البحث! وينتهي بي المطاف وأنا أرى جهودي تُنسَبُ لغيري؟
يمكن للمرء أن يُقتَل بواسطة أحلامه، مرةً عندما لا تتحقق، ومرةً أخرى عندما تُسرَق منه. لا أعلم ماذا أفعل. هل أترك زمام الثأر تقودني نحو استرجاع ما سُلب مني؟ أم أبحث عن مكانٍ خالٍ من جينات الزيف ليحتضن ما تبقّى من طموحي؟
#فاطمة_شجيع
التعليقات