تشير الساعة إلى الثالثة بعد منتصف الليل ، تُفزعني فكرة خطرت

( لا بُد لي من قتل البطل! ).

أنهض مُسرعةً من السرير شعري يغطي نصف وجهي بشكلٍ عشوائيٍ و غير مُرتب ، أتوجه لباب الغرفة بكلّ هدوء كي لا أُحدث ضجيجاً ، فتحت الباب ، تسلل بعض من الضوء الخفيف القادم من الممر ، انتبهت بأن قدماً واحدةً فقدت جوربها أثناء النوم ، و لكن هذا لا يُهم الآن . أُكمل طريقي متوجهة إلى حيث بالعادة أكُتب . أُشعل الضوء ، جهاز التدفئة و بعض الشموع . على طاولة الكتابة هُناك من جهة اليمين توجد خمسة كُتب كُلها لمؤلفٍ واحد ، كاتبي المفضل “ واسيني الأعرج “ الكاتب الذي أُحب ، و من الجهة اليُسرى توجد ثلاثة أكواب لبقايا قهوة  عليها آثرٌ من أحمر شفاه بجانبها نوعين من طلاء الأظافر بدرجتين مختلفتين من اللون الأحمر ، أقلام و دفاتر و أوراق ، كمبيوتر محمول و بعض من نصوص مشروع الكتاب على هيئة قُصاصات ورقية مكتوبة بخط اليد تُغطي الطاولة على نحوٍ فوضوي .

أمد يدي و أسحب  ورقة كُتب عليها ما يلي:

- (( كثيراً ما عشنا أحداث متخيلة سوياً تشاركنا الأحلام نفسها بسيناريوهات مُختلفة كُل واحد منا يسرد رغباته كما يشتهي و نتساءل متى ستحدث في الواقع ، يومها في وسط الاجتماع الشهري الذي لم أنتبه لأي كلمة منه و لم أنتبه لنفسي و أنا أبتسم في كُل ثانية و لا لتلونِ وجنتاي و تغيير ملامحي أو للارتباك جسمي أمام مرأى الجميع و أنا أحدثه ، بين يدي هاتفي أعيش عالماً ساحراً  يكتُب :

هي الآن في الاجتماع

أرسلت وردةً 

وموج خيال … 

وأنا أتشكل وفق خيالاتها 

فوهة من لهب !

يا جسد 

أيّهذا المشتهى

والزبدْ ..!

ما أفعل الآن ؟

مشتعل بالرؤى

محتشد بالصور ..!

ألملم دهشتها بالندى

والكمد ..

تجرأي … لأن في الكبر سنندم على الأخطاء التي " لم " نقترفها ..! 

فعيشيني و دعيني أعيشك ، ألذ العيش ما كان اختلاساً و جنوناً و مجوناً ، أقبلي دعوتي و لنذهب معاً لمعرض الكتاب أنا و أنتِ و الكُتب لا شيء يُضاهي سحر اللقاء هُناك ، هل تعلمين كم ستكوني شهية و متألقة ؟!

أتمنع و أنا كُلي توقاً لهذا اللقاء الذي تخيلته الآلاف من المرات ، وعدته بأني سأفكر في الموضوع و أعطيه رداً في المساء و لكني تعمدتُ عدم الرد ليلتها ، أحب اللعب في أعصابه و أحب أن أراه حائراً ينتظر . توجهت مباشرة إلى خزانة ملابسي ، أمامي مهمة أُتقنها جيداً ، وقعت عيناي على فُستان أسود ناعم و أنيق بلا أكمام متوسط الطول يصل لأكثر من نصف الساق تقريباً يُبرز ملامح الجسم بطريقة مُلفتة مع جوارب سوداء طويلة و شفافة لتُظهر بياض البشرة و لمعة الخلخال الذهبي و هو مغطى بسواد شفاف يعطي مظهراً آسراً لا يُنسى ، و بالتأكيد لا أُهمل كعادتي اختياري للملابس الداخلية و هذا سر أنثوي و رقيق بودي لو أن جميع النساء تعطيه اهتماماً ليس لأجل شخصٍ آخر بل لأجلها هي لتعيش أنوثتها بأدق تفاصيلها لتنظر الى المرآة و تُفتن بنفسها

 و تقول: يالله كم أنا جميلة و مُغرية ..

اخترته من الدانتيل الأسود برسومات من الورود الرقيقة و الناعمة و كعبٍ عالٍ بنفس اللون مع عباءة بيضاء و هذا كله لزيارة المعرضِ أثناء النهار .. أما الفستان الآخر فهو أشبه بفتاة العطر التي عندما تُغمض عينيك تتخيلها بابتسامتها الشيطانية ، كلاسيكي أنيق بلونٍ أحمر فاتن قصير الطول بلا أكمام مع جوارب سوداء طويلة و شفافة تحته كورسيه أسود دانتيل ليكون أكثر رقة و بتفاصيل كلاسيكية و بالطبع لا يمكنني استبدال العطر ابداً فهو مرتبط بلحظات الجنون هذه )).

مددتُ يدي مرة أُخرى و على وجهي ابتسامة صفراء وسحبت ورقة أُخرى عليها مايلي:

- (( ما سبب كُل هذا الاهتمام! ما الذي يدفعني للتفكيـر به ماذا يحدث بداخلي؟! كالمغناطيس يشدني هذا 

الفضول الكبير للاقتراب نحوه شعور غريب، مُبهم لم أجد له تفسير وكأنه يمتلك شيئاً يخُصني أنا وحدي! بدأت  مُخيلتي رحلتها العجيبة لإشباع هذه الرغبة بسرد أحداث ومواقف كثيرة قصص وكلمات لم تحدث الا في الخيال فقط.. استسلمتُ بكُل إرادتي لذلك العالم اللذيذ في فترات بعيدة جداً لم تصل لحد الهوس لا ، و لكن !صبح لخيالي الآن بطلٌ حقيقي من شحمٍ ولحمٍ له ملامح مُحدده له صوت أعرفه واسم يمكنني أن أُناديه به ..

مثلما قال الكاتب واسيني الأعرج في كتابه (أصابع لوليتا):

” مُجرد وهمٌ جميل يظهر في الوقت الذي يشاء ويختفي لحظة يُريد” 

في الحقيقة هُناك دائماً جانب خفي مُظلم في داخل كُل إنسان، رغبات دفينة ليس لها تفسير، مشاعر مكبوتة، وأفكار تصل لحد الغرابة، مخاوف وضعف، فراغ خاص جداً لا تمتلك الشجاعة للاعتراف أو البوح تحتفظ به في عُمق اللاوعي بكل سريه، على الأقل رغبة سرية واحدة داخل قلبك لا يمكنك أن تعترف بها أبداً.. لا أحد يمكنه الإنكار!.

في يومٍ من أيام فصل الخريف قبل سنة تقريباً وفي غُمرة انشغالي بتحضير تقرير مهم في مقر العمل مرت على البال فكرة لا أدري ما الذي حفزها لتخرج في ذلك الوقت ولكنها تملكتني وتمكنت مني!! ماذا لو أنني أُحاول الاقتراب!! ما الذي يمنعني من التواصل مع بطلي الخيالي واقعاً؟! فقد

كنت أحلم في خيالي دائماً بقصةِ حُب استثنائية مثل الأساطير المُخلدة كــ أن يُحبني شاعراً على سبيل المثال رجل يعرف تماماً كيف يمكنه ب ٢٨ حرفاً أن يُغرقني لأقاصي ملذات الحب و النشوة. 

لطالما اعتبرتُ بأن الكُتاب والشعراء بهم شيء من السحر الغامض به يستطيعون الوصول لأعمق نُقطة في دواخلنا، يلمسون مشاعرنا، أحزاننا، يلبسوننا ويتقمصون شخصياتنا، أحبابنا، يجسدون مخاوفنا، يثيرون فينا التساؤلات يحملوننا على أوراق الكُتب مسافرين بنا الى حدود الأرض والسماوات تُحلق عالياً في الفضاء وأنت لا تزال هُناك في زاويتكَ الصغيرة الدافئة مُغيبٌ عن واقعك في فضاءٍ ملون.

كعادتي عندما أضع هدفاً أمامي لا للاستسلام فأنا امرأة عنيدة لا تعترف بالفشل .. وبكُل حماس بدأتُ فوراً بالبحث عنه في مواقع التواصل على الانترنت تصفحت حساباته كان من السهل جداً أن أتواصل معه على تويتر مثلاً! أو الفيسبوك! لكنها طريقة لم تعجبني ومُتاحه للجميع فالأكيد أن هُناك فتيات يتواصلن معه ويُبدين اعجابهُن بقصائده ولعله مُعتاد على ذلك .. وأنا أُريد أن أكون شيئاً مُختلفاً أقرب بكثير من تلك البرامج بدأت بالبحث عن رقم هاتفه ، بضغطة زر واحدة في هاتفٍ قريبٍ مني كُنت أستطيع الحصول عليه ولكنني صممتُ أن أُنفذ هدفي بنفسي وبعد عدة محاولات في بعض البرامج المتخصصة في البحث حصلت عليه )).

بكُل برود أخذت الورقة مزقتها و نثرتها في الهواء انتابتني نشوة كبيرة لهذا الفعل فتحت الكمبيوتر المحمول و في نهاية الصفحة الثانية و الثمانون من المشروع كتبت دون اي مقدمات:

يجب أن أقتل البطل ! 

لا بأس سأجد مبرراً مُقنعاً لأقوله للمحرر الأدبي الذي يتابعني ، عليه أن يتفهم ، سأعِده بتقديم عملاً آخر و بسرعة كبيرة ، فالأفكار موجودة على الدوام ، علينا فقط ترتيبها و كتابتها بالشكل الصحيح!.  

 وضعت سماعات الهاتف في أذني و أنا استمع للمقطوعة الموسيقية الشهيرة:

THE BLUE DANUBE 

أسمعها و أنا أتخيل الأحداث ببطء و بكثير من الشر ، تذكرت ما كتبه الشاعر نزار قباني: 

“ لن تستطيع إحصاء عدد الشياطين الذين يولدون في أفكار إمرأة غاضبة “ ..

أكتب باللون الأحمر ، فأنا وعدت أن أسكب قلبي على الورق ليكون لونه أحمراً كالدم!!

أُدون الآن ما لا تعرفونه عني .. أنا أنثى برج السرطان المعروف بسلطته و تمرده أملك عقلاً يمكنه أن يقُتل ، نعم خلف تلك الملامح البريئة يوجد وجهاً لشيطانٍ مُخيف ، يظلُ في سُباتٍ عميق و لفترات طويلة ربما أستخدمته مرتين فقط طوال حياتي حتى هذه اللحظة !. يمكنني أن أُسامح الآلاف المرات ، يمكنني أن أغفِر أن أتناسى و لكن دائماً هُناك حد لكُل شيء ، رُبما تكون عفويتي هي المُشكلة ! فأنا أفعل ما يخطر ببالي و في نفس اللحظة و أُحب جداً هذا التصرف ، فأنا لا أجد مُبرراً للتأجيل و لا للكتمان أيضاً.

سأقتل البطل !

لا بُد لي من رسم خطة مُحكمة لذلك ، بأي الطرق يا ترى ؟ أريد أبشعها و أقساها و أكثرها تعذيباً و إيلاماً . فبدون بطل لا توجد قصة ، و الأموات لا يعودون و لا يُكتب لهم أو عنهم ، علي التخلص من كُل ما له علاقة به و بكل شيء يُذكرني فيه و هذا أقل فِعل يستحقه . 

كررت سماع المقطوعة للمرة الثالثة ، و في الدقيقة الثالثة منها تحديداً ، أغمضت عيني ، تخيلت بأنه أمامي مُلقاً على الأرض غارقاً بدمائه و بين يدي قلبه بعدما نزعته من جسده بكُل وحشية و بدمٍ بارد أقطع شراينه بأصابعي واحداً واحداً حتى  يشعر بنفس الألم الذي سببه لي ، أوه لحظة هُناك خطة أكثر بشاعة من هذه ، تذكرت جهاز الصدمات الكهربائية الجديد الذي تدربنا عليه قبل أسبوعٍ من اليوم و الذي نستخدمه بالعادة لمحاولة انعاش القلب الميت كقلبه الميت فعلاً ، مثلما يُنِقذ .. يُميت ! سأختار الرقم ١٠٠ أقل قوة لأضمن عودته للحياة و لأكرر المحاولة قدر المستطاع و لأُطيل فترة العذاب و الألم إلى أن يموت فعلاً ، سأترك جثته في مكانها حتى تتعفن ، ثم سأحاول التخلص منها بطريقة ما ، و سأُخفي كُل الأدلة المرتبطة بهذه الجريمة ، انه السيناريو المثالي لموتٍ يستحقه . في الدقيقة الرابعة من المقطوعة الموسيقية ، أفتح عيني ، لقد لونت الورقة بغضبِ واضحِ حتى أصبحت حمراء ، شطبتها بغضبٍ شديد أحدث جرحاً في أصابعي ، منظر الدم مناسب للجريمة حقاً ، و كأنها حصلت ، في الدقيقة الخامسة من المقطوعة ، قطعت جميع الأوراق المتعلقة بالقصة ، قطعتها و أنا أٌلف بكرسي المكتب من اليمين إلى اليسار ، أما ما بعد الدقيقة السادسة من المقطوعة أخذت بنثرها في أرجاء الغرفة و أنا أدور أُبعثر كُل ما حولي من الأوراق و الكلمات أتمايل مع اللحن كرقصة الإنتصار أحتفل بالكتابة الأخيرة ، لستُ أندم حتى و إن أضعت تعب أشهرٍ في عدة دقائق ، ما يزال أمامي الوقت لكتابة المئات من القصص و الأساطير التي ستتكون بداخلي بعيداً عنه ، ما عاد لبطلي وجود ، فمثلما أخترعته بحروفي ، قتلته بها أيضاً ، ولو يعود للحياة ثانية سأقتله بذات الوحشية التي عاملني بها ، فلا عذر في الدنيا يُكفر ذنبه لا شي يغفر له بروده القاتل و تجاهله المُتعمد .    

أما الآن فقد بقيت ورقة واحدة فقط عنوانها “ ليلة اللقاء المُحرم “ سأحتفظ بها ، رُبما أنشرها يوماً !..

للمتابعة على تويتر:

SumaiahAbdullah@