[1]
ظهر الملك القرد راكبا على فرسه,وفرسه كان كلب أسود كبير,القرد من جزيرة القردة, والكلب من مزرعة الكلاب. وكان هو أولهم. باقي الشخصيات الخيالية وقفت أعلى التلة تنظر للمدينة بالأسفل. شخصيات خيالية اقتحمت الحياة الواقعية.
في السليمانية حدث حدث غير عادي,ولكن حتى الغريب يدخل في إطار الواقع,وما حصل آت من الخيال مدمرا واقعية الحياة اليومية في الحي النائي وسكانه البسطاء.
بدأ الأمر بجريمة قتل في بيت حمزة الجمّال,حمزة خنق زوجته حتى الموت بسلك كهرباء!.
بعد خنقها تركها القاتل,الذي كشفت السيدة العجوز عن أنه ليس زوجها,على فراشها في وضع النائم وقد سحب الغطاء عليها لتكتمل الخدعة. دخل عليها القاتل وهي نائمة على الفراش مسترخية على بطنها شبه ناعسة غير عالمة بقتلها. سمراء جميلة يحتوي الفراش جسدها الطويل. الفراش الذي سيصير قبرها ومسرح قتلها الآن. شعرت بثقل الشخص الذي يطأ السرير فألتفتت نصف إستدارة رافعة رأسها وكاشفة عن عنقها ليسهل الأمر على خانقها ليخنقها. ربما لو صرخت كانت لتنجو ولكن الدهشة ألجمتها فاستمر صمتها للأبد. مثبتا جسدها بركبته على ظهرها,واطئا إياها يشد السلك بقوة على قصبتها. حاولت التملص غير مصدقة ولا تعرف لما يحدث لها هذا,فما أتى من مقاومتها إلا أن تغير إتجاه شد السلك للخلف بدلا من الأعلى وقد ارتفعت بعنقها ليكون جزعها قائما والقاتل يستمر في جذبه للسلك ومعه روحها وسرعان ما سكن جسدها وارتخت يديها وكفت الغرغرة الخفيفة لتغرق في صمت تام. ثم جعلها مثل النائمة وهو يعلم أن زوجها أو إبنها سيدخل عليها بعد قليل. وقد كان واتهم حمزة في مقتلها وكانت لتسدد الإدانة لإبنها لو كان محله. فقد عرف الإثنين في الحارة بالشجار الحاد والطويل بين الإبن وأمه والزوج وزوجته. شجار استمر لسنوات ولم ينتهي إلا بموت فريدة أم عبد الله وزوجة حمزة. والذي يتابعمها ويتابع سيرهما هو جارهما الرجل المحترم المدعو (عم حسن)!. وكان بعيدا عن الشبهات من قبل الجميع عدا عين العجوز. لم يكن هناك قتل بلا سبب. عدا الجنون. وقد كان. يحمل منديله معه ويمسح به لعابه المسال على شعر فريدة الجميلة. فريدة التي لم تتميز بوسط رفيع ولا شعر حرير ولا ثديين بارزين ولا عنق طويل ولا حتى عمر قصير فقد تعدت الأربعين. ولكنها مع ذلك كانت جميلة. جميلة جدا. مسح كذلك بصماته ولم يكن ليشك فيه أحد لولا أن فعلت السيدة العجوز وتأكدت وأشارت إلى دليل الإدانة. وهو المنديل الذي يحمله معه دوما في جيب قميصه عند صدره.
والسيدة العجوز هي مس ماربل التي عُرفت في السليمانية بإسم مس ماري أو السيدة العجوز,وكانت تحظى بإحترام الجميع منذ ظهورها الذي لا يعرف له أي خلفية أو متى حدث أو من أي بلد أتت أو إلى أي عائلة تنتمي. وكانت تروى حكايات الجدات للأطفال وتفسر بها الجرائم بإعتبار أنه كل حادث حدث سابقا في قريتها التي لا يعرف أي حد محافظتها.
قصص مخيفة ترعب الأطفال وجرائم عنيفة تفزع الكبار,مس ماربل نفسها تبدو كأنها عجوز آتية من قصص الرعب,من نوعية الساحرات أو إمرأة شريرة تتسلح بخبثها بدلا من سحرها. إحدى قصص الرعب ما وقع بالفعل في الحي لما مات عاصم ولم يعصمه أحد من مصيره الصعب الأليم. وجدوه معلق في أجزاء على أكثر من حبل غسيل,تقطر قطع اللحم دما بدلا من ثياب مبللة بالماء تقطر صابونا. خمنت أول ما نظرت من شرفتتها أن
-الفاعل جن
واستدلت بعد تحليل سريع على صانعة العمل الذي سلطت به الجني لقتل المرحوم عصام, وكانت ستسلط عفريتا لتعليق إبنه من أعضاءه الجنسية والحيوية في الهواء بدلا من حبال الغسيل.
وأغلب الجرائم تحدث في هذا الشارع الصغير على الطريق أو في البيوت القليلة المتراصة على جانبيه,حتى ليتسائل المرء عن من هؤلاء الذين يشاهدون أو ينفذون عملية إمساك القاتل طالما الجميع قتلة!.
[2]
جريمة قتل أخرى روعت الحي.
عثر على يزيد الطفل المحبوب صريعا ومصروعا أمام شاشة العرض أثناء ممارسته لألعاب الفيديو المحببة له ولأبناء سنه. نسخة جديدة من لعبة ماريو متاحة للتشغيل على أحدث منصات الألعاب من بلاي ستيشن و(...) وغيره.
ماريو هو القاتل كما وضحت مس ماربل,وهو الآن طريد يختبئ في بالوعات ومواسير السليمانية. ويتجول بحرية هناك حيث تجلي آخر لعالمه.
ياسمين الآن تنشر الغسيل على الحبال المعلقة عند نافذة الصالة,متكئة بركبتيها العاريتين على الأريكة وخلفها التلفاز مفتوح على مسرحية قديمة لعلها تضحكها. لكنها كانت خائفة منها. فلربما يخرج من الشاشة ماريو وقد سمعت قدرته على الخروج من فضاء القنوات مثل قدرته على التنقل من قنوات المياه. تتخيله صغيرا يخرج من هناك. ضئيلا ولكن قادر على قتلها مثل تلك الدمية تشاكي,أو مثل قزم من فيلم المسوخ الذي لم تسمع عنه قط.
بثدي بض تتكئ على إفريز النافذة لتعلق بنطالها في آخر حبل,تنظر إلى الحبال وتتخيل جثة جارهم التي كانت معلقة على حبال مثلها. وتتخيل خناق النساء الذي سمعت عنه يلف إحدى حبالها حول عنقها. بلعت ريقها وسمعت صنبور المياه يطلق بحة ثم سقط جسد صغير جدا منه. وصار رجلا ذو شارب مميز يرتدي عفريته حمراء من التي يلبسها السباكين في عملهم. شعرت به ونظرت له في مقت وذعر وقد تحقق أحد مخاوفها.
-لا تخافي مني أنا لست القاتل
-أبلة ماري بتقول إنك إنت القاتل
تعجبت أنه فهمت لغته,أليس قادما من لعبة أجنبية!
تقدم منها باسطا يديه أمامه,فانتحت هي بجذعها الرشيق إلى الخلف تستعد للصراخ
-لا تصرخي
قالها مغيرا لهجته وقد ألجمها الخوف,هي لا تزال لم تتطأ العشرين إلا بقليل وتريد أن تعيش.
-لقد أوقعت بي ماربل
-ولماذا قد تفعل ذلك؟
-لأنني أطلقت إسمها على لبان ماربيلا,ولأنني عرفتها على دون جوان
-هل هو قاتل مثلك؟
-بل أسوأ,إنه عاشق
وشعرت هي أيضا بالعشق تجاه ذلك الغريب الذي تسمع إسمه للمرة الأولى,يبدوا من إسمه أنه وسيم ونبيل.
-هل هو جميل؟
-مثل جمالك
-ولماذا تكرهك ماربل لذلك
-لقد كانت جميلة ذات يوم,فلما ذهب جمالها ذهب الدون.
-ماذا تريد مني؟
-لا أريد شيئا,لقد كنت مارا من هنا وفكرت في سرقة بعض الطعام فليس روبن أحسن مني. هل لديك سلحفاة مشوية؟
-لا لدى دجاج سأقليه لك على الزيت على تعدني بأن لا تؤذيني
-لن أفعل
وأكل وذهب وهي تفكر في معشوقها.
[3]
لما ظهر دون جوان في الحي انقلبت الدنيا رأسا على عقب,ومع إنقلابها انقلبت معها أحوال الرجال في المنطقة,وسقطت رؤوسها المتقطرة أبيضا لتصير مثل أذنابها في الخلف,وحرمن من بياض اللحم الإنثوي -وإن كان أسمرا- تحت ثياب النساء. كل النساء تفاهتن على الدون الجديد في الحارة. وكانت الواحدة منهن حين تراه تسقط فورا مغشيا عليها,فلم ترى مثل ملامحه ولا ملاحته قط!. وعشقته ياسمين مع من عشقه,حتى أن الأمر كان سيجبر الدون السابق دون كيخوتي على التدخل. لولا أن رأى عدالة السماء تنزل,وتبصق عليهم بشخص يعزي الرجال في ضياع النساء. أتت هيلين طروادة وما أن مشت في الشارع حتى تناوب عليها المارة والمرضى هتكا وإغتصابا,فليس على الأرض,لا في البيت,ولا في الشارع,ولا في التلفزيون,ولا على أغلفة المجلات,ولا على الإنترنت,إمرأة بهذا الجمال.
ولم يكن هناك أي جيوش يونانية تدك السليمانية كما دكت بيوت طروادة على أهلها,لم يرضى الفارس النبيل دون كيخوتي عن الأمر. حتى أن روبن هود والذي أتى محملا بأكياس الذهب,أخذ الذهب معه ورجع إلى حيث جاء. رافضا أن يعطي هؤلاء الفقراء شيئا. لا مال ولا طعام. طلب دون جوان للنزال,وحاول روميو أن يمنعه لكن عبثا يفعل. ولما وقعت عينيه على ياسمين نسى جولييت تماما. لاحظ علاء الدين نظراته واغتاظ بينما تحكم قبضته على المصباح,وتذكر ياسمينته فلم ينسها كما فعل الكلب الرومي. أو هكذا سبه. حسبت ياسمين أن كيخوته معجب بها أيضا,انتشلت التفاحة من إحدى أميرات ديزني وجلست على حجر أمام الباب تضع ساقا عاجية على أخرى ملتلفة في وشاح أزرق ياقوتي. وتراقب المبارزة التي لم يشهد مثلها في السليمانية ولا في السرايا كلها من قبل. إن التفافز بـ (السنج والكزالك) وغيرها من السيوف المصنعة لا يسمى قتالا. كان ما يحدث أمامها هو إلتحام حقيقي بين سيفين يحملهما فارسين. والفارسين يتقاتلان لأجلها هي. أو هكذا حسبت.
انتهت المبارزة الدامية على تعادل نتج عنه جراح بليغة في كل المقاتلين؛دون كيخوتي ودون جوان. واستدعى كل منهما رفاقه.
[4]
باتمان وسوبرمان وسبايدرمان وآيرومان وكابتن أمريكا والمرأة الأعجوبة (المرة الموزة) وخلفهم مجموعة من النساء البطلات والمانات والكابتنات.
وتمثل رفاق دون كيخوتي في أبطال المشرق العربي؛عنترة بن شداد,أبو زيد الهلالي,علاء الدين,الملك سيف بن ذي يزن,الملك سليمان بن داوود,ولي من أولياء الله الصالحين,وفارس فرعوني.
وجاء اللذين أتوا من هناك (مجموعة أخرى من الشخصيات الخيالية المتنوعة حلت على أرض واقعنا) يشاهدون النزال الذي سيبتدئ الآن بين الفريقين من الأبطال.
أبطال الشرق.
وأبطال الغرب.
وبدأ النزال.
ولكن اقتطع المعركة الكاتب بنفسه,الذي كان يريد مشاهدتها,اقتحم الساحة وأوقف الجميع بحركة إصبع. فهو الكاتب وتلك شخصياته,ويملك مطلق الحرية في التصرف بها. حتى لو أراد قتلها مرارا وتكرارا. يحيي ويميت.
ميسل ماربل جالسة تحيك شيئا ما، أو ثوب، تتخيل امرأة مقتولة في مكان ما، أو مخنوقة، تشاهد في الأفق عنترة يصارع سوبرمان، اختبأ باتمان حتى لا يتأذى، ماريو يتسلل في البالوعات والمواسير داخل المنزل، الملك القرد جالس على مقهى يشاهد من بعيد بعد أن تخلى عن عرشه وحصانه، الشيطان يتفرج من السماء (أو من الأرض .. سيان)، ورايفين فرجاني يكتب عن شخصيات خيالية في حياته الواقعية.
التعليقات