جلس ببطء غير معتمد مستدرجا خطواته ،،

تأمل متفحصا الطاولة التي أمامه ، نظر جيدا دون أن يشيع عينناه عن محتويات الطاولة

مركزآ بكل ثبات نظراته حول علبة السجائر و أعقابه

المتناثرة بداخل الطفاية ، و زجاجة الجعة ، لفافة حشيشة ، سماعة الأذن ، و بعضآ من النقود المعدنية التي لا تضاجع ذاتها مطلقآ لتصبح مال وفيرآ ، و لكن هذا لا يهمه بتاتآ .

في الأخر المال هو إنجاز مرحلة لا غير ،،،،

بقدر ما كانت أحلامه بسيطة كأي حلمآ عاديآ لكل شاب يافع في دولته ،

بيت صغير ، زوجة لست شرطآ أن تكون جميلة المهم يربطهما ميثاق الحب قبل التقاليد ، وظيفة تليق بمكانة

إمكانياته العقلية ، راتب محترم تفوق التزاماته المنزلية ،

سيارة متواضعة يسعفه من نزال معأناة المواصلات العامة

و ضمان المعاش لمستقبل أبناءه ،

بالاحري هذه لست أحلامآ مطلقآ بل أساسيات و حقوق

لكل شاب في دول العالم المتقدمة ،

لم يكن حلمه بأن يجثم الأن مكتوف الأيدي و عاجزآ

البتة عن رسم واقع مثالي لمستقبله

بل كان حلمه الوديع في سريرته بأنه خلق هكذا مختلفآ معجونا بالغرابة و خارجآ عن نظام الروتين الخانق

أراد أن يحدث أثرا في المجتمع برمته و ليس وسطه الهش فقط ،

أراد أن يبدع في تغيير نمط حياته بأن لا يعيش المألوف

أن يبهر العالم بالطرق المختصرة و يقنعهم بأنهم جميعا علي خطأ

كل هذا و هو جالسآ يعيد شريط ذكريات ماضيه و يسخط حاضره الملئ بالبشاعة ،

عاد به الذاكرة للتو !

حين شعر بإنقباض عظيم يشق الرائتان

و أدرك جيآ بأنه ما زال في افريقيا لأنه تحمل تغيير واقعه و لم يزحف حتي خطوة الي الأمام

كل رماد من دخانه يحكي قصة تجاوز متبلورة في الآلامه التي أبرم في أخفيها جيدآ

لكم سرقت منه السنين العديد من الحكايات النابضة بالجمال

، حب حياته ، مواهبه اللا محدود ، براءة طفولته ، عفويته في الحديث ، البعد عن ارتكاب الحماقات ، و أفتعال المشاكل ، أنشغال ذاته بذاته ،

كان يستطيع هذه المرة أن يتجاوز أيضا هذا الحصار

الشائق و البغيض لولا أنه نزف الكثير من الدموع التي لا تتدفق

ابدا في خده الشاحب و وجهه الهزيل ،

تبدل لون دمه بالآخضرار كـ لون بشرة فتاة أستخدمت مساحيق التجميل بكثرة في أن واحد ، تمني لو أحدا بجانبه حتي يترك بؤس وصايا لأسرته ليقول له :

قل لأمي لا تحزني تقبلت الأمر بطيب خاطر ، فهذا نصيبي من الحياة ، ليقل لوالده :

لا تأسف يا أبي هذه الندوب و الكدمات ليس لها علاقة بمدي مكانتك المادية هذه هبة من الله ،

لأوصي أخوانه و أخواته و أصدقاءه بأن الحياة عبارة عن لفة عقارب الساعة تبدأ من الثانية عشر و تنتهي بالأخيرة في نفس الميقات ،

لأوصي حبيبته بأن ذلك المال لم يدم طويلا

و بأن الحب ليس مورد مستنفذآ ،

لم يساوره الحسرة ابدا و لم يندب حظه ندمآ بل كان باسمآ في وجعه و وسيمآ في إحتضاره و مستخفآ برحيله حتي استنكر ردود فعله و رضخ العقل لقوته الهائلة

لمح المنزل في وداع أستفهامي و همس لذاته :

" ما الشي المميز في هذه البقعة مقارنة“ بتلك البيوت التي لا تحصي مكوثي فيها ،

حتي أعيش نكبتي الأخيرة فيها و تنساب اخر قطره من العرق تحت وساده الوحدة ، أنها الوحدة مجددا خاتمة لكل أحزاني "

في آعتقادي أنه لم يمت بكل بساطة و لم يفشل مطلقآ ببالغ التقدير حقق أحلامه جميعا دون أن يدرك هو نفسه

أنتشل روحه من جسده بطريقة مختلفة و واجه

الموت بكل بسالة لا يقاومها حتي اكثر الناس حيوية علي وجه البسيطة ،

هذه ليست قصة نهايتها خيالية و مريبة و حسب ،

إنما هي واقع معاق لكثير من الشباب الذين يعيشون في مستنقع أفريقيا

و في هوامش العالم برمتها .

لا أدري تماما و لَكن حدسي يبوح لي بأقتباس شبه حقيقي من وعي التجارب بأن

" كل شخصآ مختلفآ سيموت موتا عظيما و كأن لرحيله تهتز الأرض حزنا بفقدانه الدامي "